آخر تحديث :الإثنين-24 نوفمبر 2025-02:56م

بين الخطاب والواقع.. العليمي يضع البوصلة من عدن

الأربعاء - 15 أكتوبر 2025 - الساعة 11:08 ص
غمدان ابواصبع

بقلم: غمدان ابواصبع
- ارشيف الكاتب


عاد الرئيس الدكتور رشاد محمد العليمي إلى العاصمة المؤقتة عدن بتصريح لم يكن بروتوكوليًا عابرًا، بل رسالة سياسية واضحة تؤكد أن مركز القرار يعود تدريجيًا إلى الداخل، وأن القيادة الرئاسية عازمة على إدارة المعركة من الميدان لا من الخارج

لقد أراد العليمي من ظهوره في عدن أن يبعث برسالة طمأنينة للشارع اليمني، ورسالة التزام للشركاء الإقليميين والدوليين، مفادها أن الدولة ما زالت حاضرة وتستعيد أنفاسها من قلب العاصمة المؤقتة.

وقد حرص الرئيس في حديثه على الربط بين نضال الأمس ضد الاستبداد الخارجي ومعركة اليوم ضد مشروع الإمامة والانقلاب الداخلي، في مقاربة ذكية تؤكد أن الصراع الراهن ليس مجرد نزاع سياسي، بل معركة وجود وهوية وطنية.

إنها قراءة تُعيد الاعتبار للبعد التاريخي للنضال اليمني، وتؤكد أن استعادة الدولة ليست خيارًا سياسيًا بل واجب وطني وأخلاقي.

غير أن هذا الخطاب، رغم وضوحه ورمزيته العالية، يضع أمامنا سؤالًا جوهريًا هل تتحرك مؤسسات الدولة بنفس الوتيرة التي يتحدث بها رأسها.

فالواقع يشير إلى أن التحدي الأكبر لا يكمن في الخطابات، بل في بطء الأداء المؤسسي وضعف التنسيق بين مكونات الحكومة، وهو ما يجعل دعوة العليمي إلى “العمل بروح الفريق الواحد” ليست مجرد توجيه إداري، بل إنذار مبكر بضرورة التصحيح قبل فوات الأوان.

لقد حقق مجلس القيادة الرئاسي والحكومة بعض النجاحات في الاستقرار النقدي وتنفيذ الإصلاحات المالية بدعم من الأشقاء في السعودية والإمارات، وهما بلدان أثبتا مجددًا التزامهما بدعم اليمن في مسار الإصلاحات والإعمار.

لكن استمرار هذا الدعم يتطلب شفافية مؤسسية وتنسيقًا فعّالًا يترجم الإرادة السياسية إلى إنجاز ملموس يشعر به المواطن في حياته اليومية، لا في بيانات الصحف أو نشرات الأخبار.

كما أن إشادة الرئيس بما تحقق في عدن من نقل المراكز المالية ومقرات المنظمات الدولية تمثل تطورًا إيجابيًا في تعزيز حضور الدولة، لكنه لن يكتمل ما لم تترافق هذه الخطوات بإصلاح أمني وإداري حقيقي، يضمن استقرار المؤسسات وقدرتها على خدمة المواطنين بعيدًا عن التجاذبات والصراعات المحلية.

في المحصلة، يمكن القول إن خطاب العليمي أعاد تحديد الاتجاه الصحيح، لكنه في الوقت ذاته كشف عن الفجوة بين الإرادة السياسية والقدرة التنفيذية.

فبينما يتحدث الرئيس بلغة الدولة والمسؤولية، لا تزال بعض مؤسساتها غارقة في الروتين والشللية، وهو ما يتطلب قرارات جريئة تُعيد الانضباط والفاعلية إلى أجهزة الحكم.

إن اليمن اليوم أمام فرصة تاريخية، فإما أن تتحول عودة الرئيس إلى عدن إلى نقطة انطلاق حقيقية نحو بناء الدولة، أو تبقى مجرد مشهد رمزي في مسلسل الانتظار الطويل.

وفي كل الأحوال، يبقى الأمل معقودًا على أن تتجاوز القيادة والحكومة حدود التصريحات إلى أفعال تصنع الفرق، لأن الشعب لم يعد يحتمل مزيدًا من الخيبات.