من يبحث في التاريخ السياسي الإسلامي سوف يجد بأنه حافل بالكثير من الأحداث المأساوية والحروب والصراعات البينية ، والتي تسببت في إحداث حالة من التنافر والتباغض بين المسلمين ، وجعلتهم ينقسمون إلى فرق ومذاهب وطوائف يكره بعضها بعضا ويعادي بعضها بعضا بل ويُكفر بعضها بعضا ، وكان الخلاف السياسي على تولي الخلافة بعد وفاة الرسول عليه الصلاة والسلام هو البذرة الأولى لكل تلك الأحداث ، والذي تطور مع مرور الأيام إلى خلاف عقائدي ، بعد أن قام كل طرف سياسي باستغلال الدين الإسلامي لتقوية موقفه ودعم حجته ، وتوظيف مآسي الأمة لتحقيق مصالحه السياسية وأطماعه السلطوية ، كل ذلك كان له دور كبير في تصاعد وتيرة الخلافات وتنامي الأحقاد بين أتباع الفرق والمذاهب الإسلامية ، وصولاً إلى اللجوء للعنف والفوضى والتمرد والحرب بعد أن فشلت كل الحلول والمفاوضات السلمية ..!!
وكان التمرد السياسي والعسكري على الخليفة الثالث عثمان بن عفان رضي الله عنه ، هو أول تمرد في التاريخ السياسي الإسلامي ، والمؤيدون لهذا التمرد يبررونه بتقاعس الخليفة عثمان عن كبح جماح أمرائه في الأمصار عن ممارسة الظلم والتعسف ضد الرعية ، والرافضين لذلك التمرد يبررون موقف الخليفة بأن أي عملية تغيير للأمراء تحتاج للمزيد من الوقت وليس من السهل تغييرهم في وقت زمني ضيق ، استجابة لمجموعة من الثوار ( المتمردين ) الذين جعلوا موضوع تغيير الأمراء حجة ومبرر للاجهاز على الخليفة وقتله بهدف الاستيلاء على الخلافة بالقوة والغلبة والقهر ، وأياً يكن الرأي الصائب فإن ما تعرض له الخليفة الثالث من حصار وإيذاء معنوي وجسدي وقتل بإسلوب وحشي ، هو عمل إرهابي ومأساة فظيعة ومروعة ، وهي أول حدث سياسي مأساوي في التاريخ السياسي الإسلامي ..!!
واغتيال الخليفة الثاني عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، هو حدث مأساوي لكنه لا يصل إلى فداحة ومأساوية ما تعرض له الخليفة عثمان ، لأنه يندرج ضمن الاغتيالات السياسية ، وحقيقة الأمر لا يوجد أي مبرر أياً كان يعطي الحق للمتمردين على الخليفة عثمان ، للقيام بتلك الأعمال العدوانية وممارسة تلك الأساليب الوحشية والإرهابية ضده ، مستغلين عدم إمتلاكه لجيوش تقوم على حراسته وحمايته ، وقيامهم بحصار رجل أعزل في منزله وترويع أهل بيته وحرمانهم من الماء والطعام ، وصولاً إلى قتله وهو يقرأ القرآن الكريم لتسيل دماؤه الطاهرة فوق المصحف الشريف ، ينزع عن أولئك المتمردين كل صفات المروءة والشهامة والرجولة وحتى العروبة ، فتلك التصرفات لم تكن مألوفة عند العرب وهو ما يؤكد بأن أغلبية من قاموا بذلك التمرد العسكري ليسوا عرباً ، بل من غير العرب حديثي الدخول في الإسلام ..!!
وفي الحقيقة لقد تعرض الخليفة عثمان رضي الله عنه للخيانة والتخاذل من أمرائه على الأمصار ، والذين كانوا يمتلكون جيوش كبيرة قادرة على التحرك وإنقاذه وفك الحصار عنه خصوصا أن فترة الحصار قد استغرت وقتاً كافياً للتحرك ، وفي مقدمتهم معاوية أمير الشام ، لكن يبدو أن ذلك التخاذل كان ( لغرض في نفس يعقوب ) ، فقد تمكن بني أمية بقيادة معاوية من توظيف ذلك الحدث المأساوي لصالحهم ، حيث رفضوا مبايعة الخليفة الرابع الإمام علي بن أبي طالب بحجة المطالبة بقتلة الخليفة عثمان رضي الله عنه ، وتطورت وسائل التوظيف السياسي لتلك المأساة حتى أجلست معاوية على كرسي الخلافة ..!!
وليس ببعيد مأساة الإمام الحسين رضي الله عنه في كربلاء ، فقد استدعاه الطرف السياسي المعارض لبني أمية والذي كان متمركزا في العراق ، ووعده قادة ذلك الطرف بالدعم والمدد وتجهيز الجيوش لمواجهة جيش يزيد بن معاوية ، وأياً تكن مبررات من استدعوا الإمام الحسين ، إلا أن ذلك لا يبرر خذلانهم له والتخلي عنه وتركه وحيدا هو وأهل بيته ونفرٌ ممن كانوا معه في مواجهة غير متكافئة مع جيش يزيد الكثير العدد والعدة ، وهناك من يذهب بأن دلك الخذلان كان ( لغرض في نفس يعقوب ) ، وأياًِ يكن الموقف فإن ما قام به قادة جيش يزيد من فرض الحصار على الإمام الحسين وأهل بيته ، وصولا إلى استخدام وسائل وحشية وإرهابية في القتل والتنكيل ، ضد مجموعة من النساء والأطفال وقلة من الرجال ، ينزع عنهم التدين والشهامة والمروءة والرجولة ..!!
ليسجلوا أسماؤهم في صفحات التاريخ السوداء الملطخة بالخزي والعار ، وليساهموا في تكوين ثاني مأساة سياسية مؤلمة ومحزنة في التاريخ السياسي الإسلامي ، وبعد إنجلاء غبار تلك المأساة لم يتردد معارضي بني أمية ( شيعة الإمام علي ) من استغلال تلك المأساة استغلالا سياسيا ، كما فعل بني أمية مع مأساة الخليفة عثمان رضي الله عنه ، حيث جعلوا منها قضية لتحريك الرأي العام وإثارة الحقد والنقمة ضد حكم بني أمية ، وتحت شعار ثارات الحسين تمكنوا من اسقاط الخلافة الأموية وصولاً إلى الاستيلاء على الخلافة ، ورغم التشابه الكبير بين المأساتين ، إلا أن هناك فرق في توظيفهما ، فمأساة الخليفة الثالث عثمان رضي الله عنه تم توظيفها بشكل مؤقت ومرحلي ، انتهى بمجرد سيطرة بني أمية على الخلافة ، بينما يتم توظيف مأساة الإمام الحسين رضي الله عنه بشكل دائم ومستمر ومتواصل حتى يومنا هذا ، حيث كان ولا يزال وسيظل قادة المذهب الشيعي يوظفونها توظيفا سياسيا وسلطويا وحتى عقائديا حتى اليوم ..!!