آخر تحديث :الإثنين-24 نوفمبر 2025-02:56م

عدن.. عاصمة الشرعية التي قسمت شعبها بين نعيم السلطة وجحيم المعاناة

الجمعة - 17 أكتوبر 2025 - الساعة 01:11 م
عدنان زين خواجه

بقلم: عدنان زين خواجه
- ارشيف الكاتب


/عدنان زين خواجه


حتى في أعتى الدكتاتوريات، لم يحدث أن عاش الحاكم في عالم مغاير تماماً لعالم شعبه كما هو الحال اليوم في عدن، العاصمة المؤقتة للشرعية اليمنية. مدينة واحدة، لكن بوجهين متناقضين؛ وجه يفيض بالرخاء والنعيم، ووجه آخر يغرق في البؤس وانعدام الخدمات.


عدن التي كان يفترض أن تكون نموذجاً للمدن المحررة، ورمزاً لإعادة الأمل، تحولت إلى مرآة تعكس عمق الفساد والتفاوت الطبقي الذي صنعته سلطة تدّعي الشرعية وتُدار بقرارات لا تمتّ بصلة لإرادة الشعب. ففي حين تنعم مناطق محددة بالخدمات والأمن والرفاهية، يعيش سكان مناطق أخرى في الظلام والعطش وانقطاع الكهرباء والماء والطرقات المدمرة، وكأنهم ينتمون إلى شعب آخر على أرض واحدة.


يبدو أن عدن اليوم تضم شعوباً متعددة داخلها: شعب محظوظ يعيش بين جدران المعاشيق أو في الفنادق الفاخرة، يتقاضى المرتبات بالدولار ويستمتع بخدمات لا يحلم بها المواطن العادي، وشعب آخر منكوب كتب عليه أن يعيش الآخرة مقدماً، يصارع الحياة بلا كهرباء ولا ماء ولا راتب ولا أمل.


المفارقة الكبرى أن من يفترض أنهم “قيادات شرعية” هم أنفسهم من صنعوا هذا الواقع الموجع، فالتعيينات تُطبخ في الغرف المغلقة دون مشورة أو اختيار شعبي، وكأن الوطن مزرعة خاصة يُورث فيها المنصب للموالين والفاسدين. أغلب الوجوه التي تتصدر المشهد اليوم هي ذاتها التي عرفها الناس في عهود سابقة من الفساد، نهبت مقدرات الدولة وأموال الشعب، ولم تقدم له سوى المزيد من المعاناة.


السؤال الذي يفرض نفسه: لماذا يصر الأشقاء الداعمون على التمسك بهؤلاء الفاسدين؟ أليس في هذا الشعب من هو أكفأ وأخلص؟ أليست عدن — التي احتضنت الجميع يوماً — تستحق قيادة نزيهة تعيد لها الحياة؟


إن ما يجري في عدن اليوم ليس مجرد سوء إدارة، بل جريمة أخلاقية بحق شعب أنهكته الحروب والخذلان. عدن لا تحتاج إلى مزيد من الوعود، بل إلى قرار شجاع يعيد للمدينة روحها ولشعبها كرامته، قرار يضع حداً لمرحلة العبث التي حولت العاصمة إلى ساحة انقسام اجتماعي واقتصادي وسياسي بين “أهل الجنة” في المعاشيق و”أهل الجحيم” في أحياء المدينة المنسية.