آخر تحديث :الإثنين-24 نوفمبر 2025-02:56م

التداوي بالقرآن بين الهداية والوقاية

الأحد - 19 أكتوبر 2025 - الساعة 09:29 ص
محمد ناصر العاقل

بقلم: محمد ناصر العاقل
- ارشيف الكاتب


من الحكمة إعطاء كل شيء حقه ووضع كل شيء في مكانه المناسب فإذا علمنا بأن القرآن شفاء وهو كذلك شفاء فلا يصح أن نفهم منه أنه علاج للتدواي من الإصابة بالسحر أو العين والحسد فقط لأن هذه الأنواع هي بعض من كل وليست الأصل الذي نزل من أجله القرآن وانظر إلى قوله تعالى " وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارا " فالقرآن كله شفاء وأكثر المنتفعين به هم المؤمنون الذين يتلقون آياته بالتصديق وأوامره بالطاعة وأحكامه بالقبول فأفلحوا بإيمانهم أعظم الفلاح بينما شقي الظالمون بمخالفة القرآن ومعصية الرحمن شقاء لا يخرجون منه إلا بالتوبة قبل فوات الأوان

فحرصا منا على أن يفهم المسلمون أهم الأمور في التداوي بالقرآن نبدأ بأهم ما جاء القرآن بتصحيحه وإقراره وبه صلاح العبد وسعادته وبه كمال قوته وصحته

أولا : إصلاح عقيدته من الأوهام والخرافات والشركيات وذلك بأن يعلم علم اليقين أنه لا إله إلا الله فليس في الوجود إلها غير الله يصح أن نتوجه إليه بالعبادة أو طلب المنفعة أو دفع المضرة قال تعالى " *الذي خلقني فهو يهدين * والذي هو يطعمني ويسقين * وإذا مرضت فهو يشفين* "

ثانيا : تقوية العبد صلته بالله بالتوكل عليه وتعلق قلبه به فيما يرجوه ويؤمله أو يخافه ويتقي شره

ثالثا : إقامة الصلاة بشروطها وأركانها والاعتناء بها موافقة للشرع الذي أمر بإقامتها بصيغ مختلفة كلها مشتقة من فعل القيام والمحافظة والدوام " *"وأقيموا الصلاة"*.. *"وأقاموا الصلاة*" "*والذين يقيمون الصلاة"* *" الذين هم على صلاتهم دائمون*"*"والذين هم على صلاتهم يحافظون* "

ولا شك أن من يفوت الصلاة ولا يبالي بما ضاع منها ولا يجعلها أهم أعماله أو يؤديها وهو كسلان ويكون هذا دأبه أنه قد أضاع حق الله فيها ولحقه من الخسران بقدر ما ضيعه منها

رابعا : إحلال الحلال وتحريم الحرام وهو أن يتحرى في معاملاته ما كان شرعيا منها وأن يطيِّب مطعمه ومشربه وملبسه حتى تجاب دعوته كما ورد بذلك الحديث " *وذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يارب يارب ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغذي بالحرام فأنى يستجاب له* "

خامسا : المحافظة على ذكر الله يجعل منه ذكرا معينا في. كل يوم في الصباح والمساء ووردا من القرآن وإن قلَّ فذكر الله يشرح الصدور ويجلي الهموم ويبعث في النفس الراحة والطمأنينة وهو ما يشكو من الافتقار إليه هؤلاء المرضى قال الله تعالى " *الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله * ألا بذكر الله تطمئن القلوب* "

خامسا : تهذيب النفس من الأمراض النفسية والاجتماعية كالحسد والحقد والعمل بالنميمة بين الناس وإفساد ذات البين وقطع أواصر الرحمة بين القرابات وفي المجتمع عامة فعلى المسلم أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه فكما لا يحب أن يصاب بالسحر أو العين ولا يُؤذَى به فعليه أن لا يؤذي به غيره ولا أي مكروه آخر

سادسا : على المريض أن يعالج نفسه بالمحافظة على الصلاة وذكر الله وقراءة القرآن وتجنب ما يضاده من الغنى واللهو وخصوصا إدمان الملهيات والالتفات لما يحدث في البيوت من المخالفات الشرعية ومعالجتها في ضوء الشريعة بالتسديد والمقاربة


*مسائل تتعلق بالراقي " المعالج "*


على المعالج أن يكون على قدر من الاستقامة وأن يتحرى الوسائل الشرعية من خلال العلاج بالقرآن أو ما ورد من الرقى في السنة النبوية وأن تكون باللغة العربية واضحة ألفاظها ومعانيها

ولا يعالج السحر بالسحر ولا يفتح بابا واسعا لمخاطبة الجن وقبول إخبارها عن موضع السحر أو من وضعه أو من أصاب بالحسد أو العين فإن ذلك عدا عما يسببه من الفتنة قد يصل بصاحبها إلى دعوى علم الغيب وما إلى ذلك من أنواع الشرك والكفر التي ينبغي للسلم أن يصون نفسه عنها حماية لدينه

ولو ثبت أن المتكلم على لسان المريض جني فيجب أن نعرف بأنه فاسق ظالم بدخوله في المريض وهو غير مأمون على ما يخبر به بل قد يقصد الشر والفتنة والوقيعة بين الناس وهو ما ينبغي أن يتنبه له المعالج حتى لا يُستَدرَجُ بأخبار كاذبة تضره وتضر بالمجتمع من حوله وتتجاوز قضية المرض إلى مشاكل أخرى



*ظواهر مجتمعية سلبية*


وهي كثرة الحديث في هذا القضايا بجد أو بهزل فترى الناس تتداول أحاديث السحر والعين والحسد والإصابة بها ما يخلق حالة من الشك وضعف ثقة ويقين عند المريض في استعادة عافيته - بإذن الله - فيتوسع الناس في الحديث عنها حتى كأن هذه الأمراض قد غلبت الناس على أمرها وأنه لا يسلم منها إلا القليل وسبب ذلك ضعف الإيمان بالله والتوكل على الله وترك التحصن بذكر الله ، ولو اختبر الناس بعض الأمراض لوجدوها ليست صحيحة وأن المريض في وهم أو مرضه عضوي فالوهم إذا استولى على الشخص هو مرض مستقل بذاته علاجه إزالة الأوهام والثقة بالله واستبعاد أسباب الوهم عن الحالة المرضية والتحقق من السبب الحقيقي للمرض حتى يتسنى وضع العلاج المناسب له


محمد ناصر العاقل