في زمن تزداد فيه معاناة الناس يوما بعد يوم، تتحمل القلوب أوجاعها بصبر يشبه المعجزة، ويكابد المواطن مشقة العيش ويتجرع الأمرين، محتسبا على كل من أساء التصرف وتولى مسؤولية لم يكن يوما أهلا لها. نكتوي جميعا بنيران الفساد وسوء الإدارة، لكن أكثر ما يفقأ المرارة في حلوقنا ويُغلي الدم في عروقنا، هو ذاك التطبيل الذي يسعى لتبرير الفشل وتجميل القبح، ليغدو الصمت على الظلم فعل خيانة، والكلمة المزيفة جريمة علنية.
وما يزيد منسوب الألم والغضب، حين يكون صاحب هذا التطبيل أكاديميا، يحمل شهادة عليا، لكن بقلب وسخ، لا يعرف للضمير طريقا، ولا للكرامة معنى. رجل قرأ الكتب وحصد الألقاب، لكنه نسي أن الأخلاق تاج لا تلبسه الشهادات، بل القلوب النقية. يسخر علمه لخدمة مصالحه الضيقة، يبيع ضميره بحفنة من الامتيازات، ويجعل من قلمه جسرا يعبر عليه الفاسدون، فوق كرامة الناس وجراحهم.
تجده ينمق العبارات ويزين الحروف، ليغسل بها عار المسؤول الفاشل، ويدافع عن قيادي لا يحمل حتى أبجدية الأخلاق، ولا يفقه في أبجديات العمل سوى كيف يسرق الحياة من الآخرين. يُجمل القبح بكلمات ناعمة، ويخون وطنه وهو يتشدق بحبه، يعتلي المنابر باسم العلم، لكنه لا يرى في الناس إلا سلما يصعد عليه إلى مصالحه. كم من بائس طُمس صوته، وكم من مظلوم كتم أنينه، فقط لأن المطبل اختار أن يكون شاهد زور على وجع الناس.
ليس مؤلما فقط أن يُظلم الناس، بل أن يُكافأ الظالم بالتطبيل، ويُخدع البسطاء بزيف الكلام. نحن لا نحمل حقدا على من يحمل الشهادات، بل على من دنس شرفها بسوء نيّته وخبث قلبه. وسنبقى نقولها بملء الصوت: الشهادات لا تصنع الأخلاق، والصمت على الباطل خيانة، والتطبيل للفاسد جريمة لن يُغفر ذنبها أمام الله ولا التاريخ.