آخر تحديث :السبت-13 ديسمبر 2025-06:34م

مرثية العتاب حين يصبح التأبين قناعًا لإهمال الأحياء!

الأربعاء - 22 أكتوبر 2025 - الساعة 11:54 ص
ايمن مزاحم

بقلم: ايمن مزاحم
- ارشيف الكاتب


كما لاحظنا جميعاً حول ماشهدته مدينة زنجبار مؤخرًا من فعالية تأبينية رسمية وشعبية واسعة كالعادة لتكريم أحد رموزها الكبار في مجال الشعر الشعبي والتراث، هذه الفعالية، التي حظيت بحضور رسمي وثقافي رفيع المستوى، جسّدت مشهدًا مؤثرًا من الوفاء والاعتراف بقيمة هذا الإرث الثقافي، الكلمات أُلقيت مشيدةً بالإسهامات، والدروع قُدمت، والإرث حُفظ في المكتبات، في محاولة صادقة لتثبيت مكانة الراحل في الذاكرة الثقافية للمحافظة.


ولكن، بعيدًا عن بهجة العرفان ودفء التأبين، يفرض هذا المشهد نفسه كـمنصة لنقدٍ مؤلمٍ يطال طريقة تعاملنا مع كفاءاتنا ورموزنا الحية، لهذا فهناك سؤال يجسد فكري ويعيق تفهمه بنفس الوقت بشأن ذلك الواقع المنفذ، وهو ما قيمة هذا الوفاء المتأخر؟ بينما نُشيد بالتنظيم الحَسَن والاهتمام "الرسمي" الذي خُصص لفعالية ما بعد الرحيل، لا يسعنا إلا أن نتساءل، لماذا يصبح المبدع أو المثقف أو الكادر صاحب القيمة العليا التي تستحق الحشد والتكريم، فقط بعد أن يغادرنا؟


إن الإشادة بالفقيد بأنه كان "نموذجًا" و "جسّد الهوية الثقافية"، هي إشادة حقة لكنها تُعرّي في الوقت ذاته الإهمال المزمن والممنهج الذي يطال هذه الفئة وهي على قيد الحياة، إن كوادر أبين الهامة ونُبلائها الذين يمثلون المخزون الفكري والثقافي الحقيقي للمحافظة، غالبًا ما يعيشون في ظل واقع مُرّ من التهميش والعوز والنسيان.


أيها السادة المسؤولون، لتعلموا وتدركوا إن الكفاءات التي تتباهون اليوم بإرثها، تعاني كذلك من صمت كم من الأدباء والمثقفين والتربويين والكوادر الفنية الذي يعيشون في كنف الإهمال لعدم بذلهم الاهتمام والرعاية، فمنهم من يصارعون ظروفًا صحية واقتصادية قاسية دون أن يجدوا يد العون من السلطة المحلية أو المؤسسات ذات العلاقة، إن هذا الإهمال يتجلى في غياب الرعاية الصحية الكريمة التي تليق بمكانتهم.


فبدلًا من أن يُوجَّه الجهد التنظيمي والموارد المعنوية والمادية لتأمين العلاج اللائق والحياة الكريمة لهذه الرموز وهم أحياء، ننتظر حتى تتدهور أحوالهم الصحية لتصبح قصصهم مادة خبرية للتعاطف، أو ننتظر رحيلهم لنُقيم لهم صروح الوفاء عبر التأبين، هذا "التنفيذ السيئ" للوفاء يكمن في اختلال الأولويات؛ فبدلًا من أن نُركز على "الوقاية خير من العلاج" في الحفاظ على صحة وكرامة رموزنا، نُفضل "التكريم بعد الرحيل" كشكل من أشكال إرضاء الضمير المؤقت.


إن أصدق تكريم لأي رمز ثقافي أو كادر وطني، هو أن نُثبت أن المحافظة لا تنتظر موت أبنائها لتهتم بهم، ابحثوا عن نُبلائها المرضى والمُهمَلين اليوم، وقدموا لهم الدعم والرعاية والعلاج قبل أن تُجبروا على إقامة فعالية تأبينية أخرى تكرر هذه المرثية الممزوجة بالعتاب، إن أبين تستحق وفاءً يقظًا ورعاية مستدامة لكوادرها، لا مجرد وفاءٍ متأخر تفرضه سُنة الموت!