آخر تحديث :الأحد-26 أكتوبر 2025-10:14م

الشعب اليمني بين سجن الواقع وحكومة ما تفهمه

الجمعة - 24 أكتوبر 2025 - الساعة 09:03 م
نجيب الكمالي

بقلم: نجيب الكمالي
- ارشيف الكاتب


قريت اليوم مقولة لشمس الدين التبريزي: "إن المرء مع من لا يفهمه سجينٌ"، وصدق الكلام. الشعب اليمني اليوم محبوس في سجن لا جدران له، إلا التجاهل واللامبالاة من حكومته، وكأن كل معاناته اليومية تتلاشى في صمت رسمي مريب.


اليمنيون حتى عام 2011م كان لهم حكومة على الأقل تخاف منهم إذا خرجوا في احتجاجات أو مظاهرات تطالب بحقوقهم. كان صوت المواطن يُسمع، ولو بشكل محدود، لكن اليوم أصبح المواطن أمام حكومة لا تسمع، لا تفهم، ولا تعي حجم المأساة اليومية التي يعيشها شعب بأكمله. احتجوا، ما احتجوا، تظاهروا، ما تظاهروا، حرقوا الكفرات في الشوارع، قطعوا الطرق… كل هذا دون أن يجدوا إلا التجاهل واللامبالاة، وكأنهم غريبون داخل وطنهم.


حتى أبسط حقوق الناس صارت الحكومة تتجاهلها. الرواتب مقطوعة منذ خمسة أشهر، والكهرباء تنقطع أكثر من 48 ساعة مقابل ساعتين فقط شغالة، والحرارة لا تُحتمل، والماء يأتي كل أسبوع، وطفح المجاري يوميًا يهدد حياة المواطنين، والوقود أصبح بعيد المنال بأسعار خيالية، والخدمات الأساسية معدومة يوميًا. المواطن يبحث عن حقه، عن لقمة عيشه، عن أمله الذي يتضاءل كل يوم، لكنه يجد نفسه أمام صمت المسؤولين، كأن صوته غير موجود، كأن معاناته ليست إلا رقمًا في سجلات حكومية بلا روح.


ولا يقتصر السجن في اليمن على الحرمان المادي فقط، حتى حرية الجسد والتحرك أصبحت معدومة أمام الانفلات الأمني والفوضى. المئات يسقطون يوميًا بلا ذنب، والموطن لا يقدر أن يتحرك بحرية، ولا أن يعيش بأمان في شوارع مدينته. الحياة اليومية مليئة بالمخاطر، والقلق الدائم أصبح رفيقًا لا يفارق كل بيت، وهذا يزيد شعور الاحتجاز النفسي والاضطهاد المجتمعي.


الشعب اليمني ليس فقط ضحية نقص الخدمات أو فساد الإدارة، بل هو ضحية فجوة عميقة بين الحكومة ومواطنيها. الحكومة يجب أن تفهم أن وجودها من أجل الشعب، وأن سماع صوت المواطنين وفهم معاناتهم ليس خيارًا سياسيًا، بل واجب أخلاقي وإنساني قبل كل شيء. اليمنيون يحتاجون إلى حكومة تسمعهم، تفهمهم، تشاركهم في صنع القرار، تحل مشاكلهم، وتخدمهم بدل أن تجعلهم يعيشون في سجن كبير، يبحثون عن لقمة عيشهم ولا يجدونها، ويعيشون في خوف دائم على حياتهم ومستقبل أطفالهم.


الحرية الحقيقية، كما علّمنا شمس الدين التبريزي، ليست مجرد غياب القيود، بل هي أن يعيش الإنسان بين من يفهمه ويقدّره، ويعطيه الحق في أن يحلم ويخطط ويشارك في بناء وطنه. والشعب اليمني يستحق هذه الحرية بكل جوارحه وعقله وقلبه، ويستحق حكومة تحميه، لا تحاصره، وتسمع صوته، لا تصم آذانها عنه.