السياسة، النظام السياسي، الحزب الحاكم، المجموعة السياسية التي تدير البلد هي التي ترسم إدارة اجهزة الدولة تشريعًا واجرائيًا وتنفيذيًا، فإن كان الحاكمون السياسيون يتصفون باحترام الديمقراطية والحقوق والحريات، والإدارة النزيهة التي تحترم ثوابت الوطن، سينعكس ذلك على وضع البلد اقتصاديًا بحيث تدار المالية العامة إيرادًا وإنفاقًا بشكل جيد تحترم قواعد الموازنة وتوجد فيه مؤسسات الرقابة والمحاسبة التي تحول دون استغلال الوظيفة العامة لتحقيق مصالح خاصة.
والعكس صحيح، عندما تصل مجموعات إلى السلطة عن طريق القوة أو الانقلابات العسكرية بهدف الاستحواذ على الموارد العامة؛ فإنها تستخدم قانون القوة لفرض حقائق على الواقع في جانب إدارة المالية العامة إيرادًا وإنفاقًا لتحقيق مكاسبها الخاصة.
وهنا يستشري الفساد ويتجذر في أجهزة الدولة بحكم قوة النفوذ السياسي العسكري. والفساد المالي يوجد عندما يكون هناك قوة التصرف المالي خارج القانون وانتهاك قواعد وقوانين الموازنة العامة، وبالمقابل لا توجد جهة حكومية قادرة على المساءلة والمحاسبة. ومن ثم يترعرع الفساد بدون رقيب ولا حسيب..
أضف إلى ذلك من أساسيات الحكم المسؤولية المرتكزة على الصلاحيات الممنوحة في الدستور للمسئول الأول في إدارة البلد، ولا يوجد من ينازعه سلطته وقيادته لإدارة البلد وهذا مبدأ إله "لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا".
إذا أسقطنا هذه المقدمة النظرية العلمية على واقع البلد
نجد أن رئاسة البلد تدار من قبل مجلس رئاسة ينازعون رئيس مجلس الرئاسة رشاد العليمي صلاحياته. فضلا عن هذا المجلس الرئاسي المتشكل من ثمانية أعضاء لهم توجهات واهداف مختلفة؛ ومن ثم يحمل في تشكيله بذور التشظي والانقسام والتي تنعكس سلبًا على وضع البلد وتفاقم معاناته وهذا لا ينسجم مع مبدأ تحرير البلد.
فضلا عن تشكيل الحكومة وفقًا للمحاصصة ووجود تشكيلات عسكرية خارج الجيش الوطني منفلته عن قرار رئيس الجمهورية القائد الأعلى للقوات المسلحة، ولا تخضع لقيادة واحدة تحت وزير الدفاع.
هذا الوضع السياسي ينعكس بظلاله على الوضع الاقتصادي وعلى مدى نجاعة الإصلاح الاقتصادي، فالبلد يعاني من فساد سياسي موجع بل ولا يوجد له مثيل.
والأمثلة واضحة للعيان كشف محافظ المركزي وجود 147 جهة حكومية لم تورد إلى البنك المركزي (ثلثي الموازنة) في انتهاك صارخ للقانون المالي وقواعد الموازنة العامة.
هذا لم يكن ليحصل لولا تربع القوى العسكرية النافذة للسلطة، وتتصرف بالإيرادات والنفقات وفق قانون القوة، ومن المستحيل محاسبتها؛ لأن قوة نفوذها اقوى من قوة نفوذ الحكومة (وهذا ما قاله رئيس الوزراء معين عبدالملك للجنة مجلس النواب الثانية للتحقيق في قضايا الفساد. قال: أن الفاسدين يمتلكون قوة سلطة أكبر من قوتي).
المثال الآخر بروز فساد لخمس جهات حكومية شركة المسيلة وشركة مصافي عدن وكهرباء عدن وسفارتين. بمقدار 2 مليار دولار.. يعني نهب الموارد اكبر من الموازنة العامة لسنة من السنوات.
- لماذا أفسد هؤلاء؟ ولماذا لم يتم محاسبتهم؟ ما الذي حال دون تحقيق ذلك؟.
هذا السؤال الذي يطرحه الشعب!
- الم يعبر ذلك عن غياب للحكومة؟
- الم يعبر ذلك أيضًا أن الحكومة تحولت إلى مصالح للأمراء النافذين وضد إرادة الشعب وتفاقم معاناته؟!
في ضوء ذلك يتطلب بداية اصلاح المؤسسة السياسة إذا أردنا للإصلاح الاقتصادي أن يرى النور.
وفيما يتصل بنجاح الإصلاحات الاقتصادية المتبعة بتحسين مؤشرات سعر الصرف إلى 1615 بدلا من وصوله إلى 2900 للدولار الواحد.. فذلك بالأساس يعود إلى التدخل العابر للسيادة الذي صنع الوضع القائم، وبعد أن تفاقمت المشاكل وكادت أن تخرج عن السيطرة، وجهت رساله لأمراء الفساد نحن نعرف فسادكم وتلاعبكم بالعملة والمضاربة والتهريب للخارج ونشاطكم التجاري والمصرفي. إلى هنا وكفي!! مهددة وزارة الخزانة الأمريكية إن تعمدتم في التلاعب بسعر الصرف فسوف يتم ادراجكم بالقائمة السوداء. بل ووجهت الخزانة الأميركية بأن أي فرد لا يتعاون مع البنك المركزي سوف يتم محاسبته سواء أكان في الحكومة أم في مجلس الرئاسة في إشارة تلميحيه إلى مكانة بعض الجهات الفاسدة أو الحامية للفساد.
وكون هذا التهديد صادر من الولاية المتحدة الأمريكية لهذه الجهات فلا يمكن أن تواجه القرارات الأمريكية (هي فقط تواجه القرارات الوطنية) لذلك تم تثبيت سعر الصرف واستقر عند هذا المستوى.
وتم تعزيز ذلك الاستقرار النسبي في سعر الصرف السابق والحالي من خلال دعم الشقيقة الكبرى المملكة العربية السعودية في دعمها الانساني والاقتصادي والعسكري للشعب اليمني؛ والمتمثل في الودائع والدعومات والاعانات ودعم أنشطة برامج التنمية؛ من خلال البرنامج السعودي للتنمية والاعمار..
وهو تقدير من المملكة تفتضيه الإخوة والأمن القومي العربي المشترك..
إلَّا أن ذلك الدعم يظل حقن لتهدئة تفاقم اختلال سعر الصرف، وهو ما يتطلب اصلاحات اقتصادية حقيقية تبدأ بإلزام الجهات الحكومية بالتوريد للبنك المركزي.. ومحاسبة الفسادين؛ ثُم إجراء إصلاحات في تشغيل مصافي عدن وتصدير الغاز وتفعيل الأجهزة الايرادية وترشيد الانفاق العام.. ومعالجة الاختلال في الموازنة العامة، وفي مقدمة كل ذلك وكما أشرنا آنفا يتطلب إصلاحات في المؤسسة السياسة.