في كل خطاب، يحرص الرئيس رشاد العليمي على التأكيد بأن الاقتصاد اليمني يسير نحو التحسن، وأن سعر العملة الوطنية بدأ يستعيد شيئًا من عافيته. غير أن هذه الرسائل المتكررة تبدو في نظر الشارع أقرب إلى خطابٍ سياسيٍّ تقليدي، لا ينعكس أثره على حياة المواطنين اليومية.
فبينما يتحدث الرئيس عن مؤشرات إيجابية، يعيش الناس أزمة متصاعدة في الخدمات وانقطاعًا متواصلاً للرواتب، في وقت يزداد فيه الشعور العام بالإحباط وفقدان الثقة في وعود السلطة.
يدرك فخامة الرئيس أن أي إنجاز اقتصادي يفقد قيمته حين يغيب أثره عن حياة الناس. فالمواطن الذي لا يجد الكهرباء ولا الماء، ولا يتلقى راتبه منذ أشهر، لا يمكن إقناعه بتحسن الاقتصاد عبر الأرقام أو التصريحات. فالمعيار الحقيقي للنجاح ليس بما يقال في الخطابات، بل بما يلمسه المواطن في معيشته اليومية.
منذ تشكيل مجلس القيادة الرئاسي، لم يتحقق أي تحول نوعي في الخدمات أو في منظومة مؤسسات الدولة. بل إن بعض الملفات تراجعت أكثر مما كانت عليه، وسط غياب رؤية واضحة المعالم لإدارة المرحلة، واعتماد مفرط على الدعم الخارجي دون بناء قدرات داخلية مستدامة.
لقد كان الأمل كبيرًا في أن يكون مجلس القيادة نقطة تحول في مسار استعادة الدولة، غير أن الواقع كشف أن الأزمات البنيوية في مؤسسات الدولة أعمق مما يتصوره الخطاب الرسمي. فالعجز عن صرف المرتبات، والانهيار المتواصل في الخدمات، يبددان الثقة ويضعان علامات استفهام حول فاعلية السلطة في إدارة ملفات الداخل.
العليمي الذي جاء بتوافق الرباعية الدولية، لا عبر تفويض شعبي مباشر، يدرك أكثر من غيره أن شرعيته الحقيقية لا تُقاس بالبيانات الدولية أو اللقاءات الدبلوماسية، بل بما يقدمه للمواطن في الداخل من استقرار وأمن ومعيشة كريمة.
ولعل أخطر ما يواجهه العليمي اليوم ليس فقط ضعف الأداء الحكومي، بل غياب الإحساس العام بأن ثمة سلطة حقيقية تمسك بزمام الأمور. فحالة الارتباك بين مؤسسات الدولة، وتضارب الصلاحيات، وتعدد مراكز القرار، جعلت من إدارة الشأن العام مهمة بالغة التعقيد.
الناس لا ينتظرون من الرئيس خطابات عن الأمل، بل ينتظرون حلولًا واقعية تضع حدًا لمعاناتهم اليومية. فهم يريدون كهرباء مستقرة، ورواتب تُصرف بانتظام، ومستشفيات تقدم خدماتها دون إذلال، ومدارس تحترم حق أبنائهم في التعليم. وهذه المطالب البسيطة هي في الحقيقة معيار نجاح أي سلطة، مهما كانت شعاراتها كبيرة.
في النهاية، قد ينجح الرئيس العليمي في تحسين سعر العملة أو السيطرة على بعض المؤشرات الاقتصادية، لكن دون إصلاح جذري في الخدمات ومؤسسات الدولة، سيظل الحديث عن التحسن الاقتصادي خطابًا بلا مضمون، يعجز عن إقناع المواطن، ويُفقد السلطة آخر ما تبقّى من رصيد الثقة.