في المشهد السياسي اليمني المليء بالتقلبات والاصطفافات الحزبية والمناطقية، تبرز اليوم شخصية واحدة استطاعت أن تجمع بين الجرأة في الموقف، والوضوح في الانتماء للوطن، والثبات في المبادئ، وهي شخصية الوزير أحمد بن أحمد الميسري، وزير الداخلية اليمني الأسبق، وأحد أبرز الوجوه التي تمثل الخط الوطني المستقل في زمن الانقسامات.
رجل المواقف الصلبة
تميّز أحمد الميسري منذ بداياته السياسية بموقفه الثابت من سيادة اليمن ووحدتها واستقلال قرارها الوطني.
فعلى عكس كثير من القيادات التي تماهت مع القوى الإقليمية أو ارتبطت بأجندات خارجية، ظل الميسري يرفع صوته مطالبًا بأن تكون اليمن لليمنيين، وأن لا يتحول القرار الوطني إلى ورقة في أيدي الخارج، مهما كانت الضغوط أو الإغراءات.
هذا الثبات جعل منه صوتًا وطنيًا نادرًا، خصوصًا في مرحلة شهدت انقسامًا بين ولاءات متباينة ومشاريع متصارعة.
مقارنة مع القيادات الأخرى
عند النظر في المشهد السياسي الراهن، نجد أن الميسري يتفوّق على كثير من الشخصيات من حيث الاستقلالية والوضوح والارتباط بالميدان الشعبي.
أحمد علي عبدالله صالح، رغم انتمائه لأسرة سياسية حكمت اليمن لعقود، بقي بعيدًا عن المشهد الميداني، محاطًا بالغموض، ولم يقدّم حتى اليوم موقفًا واضحًا من قضايا الوطن الراهنة.
عيدروس الزُبيدي، من جهته، ارتبط بمشروع مناطقي محدود يخدم فئة أو منطقة أكثر مما يخدم اليمن كوطن جامع، مما جعله جزءًا من مشكلة الانقسام لا من مشروع الحل.
رشاد العليمي، رغم رئاسته لمجلس القيادة، ما زال يُنظر إليه كوجه إداري أكثر من كونه قائدًا وطنيًا صاحب رؤية، خصوصًا مع ضعف حضوره الجماهيري واعتماده الكبير على التوازنات الإقليمية.
في المقابل، برز أحمد الميسري كشخصية تجمع بين الخبرة السياسية والجرأة الوطنية والقدرة على مخاطبة الشارع اليمني بلغة يفهمها الناس، لا لغة المصالح أو الدبلوماسية الباردة.
وطني لا ينتمي إلا لليمن
من أبرز ما يميّز الميسري أنه لا يختبئ خلف اللافتات الحزبية أو المناطقية.
فهو جنوبي في الانتماء الجغرافي، لكنه يمني في الهوية والموقف، رافض لكل مشاريع التقسيم، مدافعًا عن وحدة الوطن وعدالة القضية الجنوبية في إطار الدولة اليمنية الواحدة.
وقد سجّل في أكثر من مناسبة مواقف علنية جريئة ضد أي تدخل خارجي يمس السيادة، حتى عندما كلّفه ذلك خسائر سياسية ومواجهات مع قوى نافذة.
حضور شعبي لا تصنعه المناصب
ما يجعل الميسري مختلفًا عن غيره أن شعبيته لم تأتِ من منصبه، بل من صدقه في الخطاب ومباشرته في الموقف.
فحين يتحدث، يتحدث بلسان المواطن البسيط الذي يريد دولة تحميه لا سلطة تقمعه.
ولذلك، ظلّ مقبولًا في مناطق متعددة من اليمن، سواء في الشمال أو الجنوب، لابتعاده عن خطاب الكراهية والانتقام، وتمسكه بخطاب وطني جامع.
الرؤية المستقبلية
في ظل الجمود السياسي الراهن، تبدو اليمن بحاجة إلى شخصيات من طراز أحمد الميسري — شخصيات تمتلك الجرأة على قول الحقيقة، والقدرة على توحيد الصف الوطني، والرغبة في إعادة الاعتبار لمؤسسات الدولة.
ومهما اختلفت الانتماءات، تبقى المواقف هي المعيار، والميسري أثبت أنه آخر الأصوات الوطنية الصافية التي ما تزال تتحدث باسم اليمن، لا باسم جهة أو منطقة أو حزب.