في وطنٍ أنهكته الحروب، واستنزفته المؤامرات، لم يعد الجوع مجرد حالة طارئة، بل صار سياسة ممنهجة، وسلاحاً خفياً يُشهر في وجه الشعب الجنوبي كلما لاح في الأفق بصيص أمل أو تنفّس الناس نسمة استقرار.
إن تأخير صرف مستحقات الموظفين في القطاعين العسكري والمدني حتى نهاية عام 2025م، ليس مجرد خلل إداري أو عجز مالي، بل هو فعلٌ سياسي بامتياز، يحمل في طياته نوايا مبيّتة، ويكشف عن عقلية سلطوية اعتادت أن تتغذى على معاناة الناس، وتبني نفوذها على أنقاض أحلامهم.
*الحرمان من الرواتب ليس عجزاً.. بل عقوبة جماعية*
حين يُحرم الجندي من راتبه، يُجبر على بيع سلاحه أو كرامته. وحين يُترك الموظف المدني فريسة للديون، يُدفع إلى هاوية الفقر والتشرد. هذا الحرمان لا يُفسَّر إلا كعقوبة جماعية لشعبٍ قرر أن ينهض، أن يطالب بحقه، أن يرفض أن يكون تابعاً في وطنه.
لقد شهدنا جميعاً كيف بدأت ملامح الإصلاح تلوح في الأفق: انخفاض تدريجي في أسعار السلع، تحسن طفيف في سعر الصرف، وعودة الأمل إلى وجوه أرهقها الانتظار. لكن ما إن بدأت عجلة التعافي بالدوران، حتى تحركت مطابخ الهدم، وأطلقت سهامها المسمومة، لتعيدنا إلى المربع الأول، وكأنها تقول: "لن نسمح لكم بالتنفس".
*تجار الحروب لا يعيشون إلا في الفوضى*
من يتربح من الأزمات، لا مصلحة له في الاستقرار. ومن بنى سلطته على أنقاض المدن، لا يريد لها أن تُعمّر. هؤلاء لا يرون في الجنوب شعباً يستحق الحياة، بل يرونه خصماً يجب إخضاعه، وصوتاً يجب إسكاتُه. لذلك، فإن تأخير الرواتب ليس سوى واجهة لمعركة أعمق، معركة تستهدف كسر الإرادة، وتجفيف منابع الصمود.
*لكننا شعب لا يُكسر*
رغم كل شيء، لم ولن يكون الجنوب ممراً للمشاريع المشبوهة. فكل محاولة لإذلاله تُقابل بصبرٍ أعظم، وكل مؤامرة تُقابل بوعيٍ أعمق. نحن أبناء أرضٍ ارتوت بدماء الشهداء، وذاكرةٍ لا تنسى من باع ومن خان. وسنظل نواجه البطش بالتحدي، والتجويع بالكرامة، والخذلان بالإيمان.
*خاتمة: حين تدق الساعة..*
هذا لسان حال الشعب:
حين تدق عقارب الساعة، لن نرد بالشتائم، بل سنرد بالثبات. لن نلعن، بل سنُحاسب. لن ننتقم، بل سنبني. لأننا نؤمن أن النصر لا يُولد من الحقد، بل من الإصرار. وسنظل نردد: "ما ضاع حقٌ وراءه مطالب".