آخر تحديث :الأحد-07 ديسمبر 2025-01:34م

النفاق.. داء الأمم الخفي

الجمعة - 31 أكتوبر 2025 - الساعة 11:18 ص
محمد العنبري

بقلم: محمد العنبري
- ارشيف الكاتب


النفاق هو أخطر أمراض المجتمعات وسرطان القلوب الذي يتسلّل خلسةً إلى النفوس حتى يجعل الباطل حقًا والحق باطلًا ويغدو الكذب مهارة والصدق حماقة هو أن يقول المرء ما لا يؤمن به ويُظهر عكس ما يُخفي وأن يلبس ثوب الصدق وهو غارق في مستنقع الزيف وما أشدّ خطره حين يصبح وسيلةً يتزيّن بها الناس طلبًا للجاه أو المال أو القبول عند من بيده السلطة أو النفوذ.


النفاق يعني أن يُخفي الإنسان كرهه خلف ابتسامةٍ مصطنعةوأن يمدح من يكرهه في قلبه وأن يتظاهر بالمحبة وهو يبيت على الحسد والغلّ كثيرون يعتقدون أن النفاق ذكاء اجتماعي لكنه في حقيقته انحطاط أخلاقي لأن الذكي هو من يستطيع قول الحقيقة بلُطفٍ دون أن يُهين أحدًا لا من يبيع ضميره بثمنٍ بخس.


وقد ضرب التاريخ أمثلة كثيرة على ذلّ المنافقين ومن ذلك ما يُروى عن الخليفة المهدي حين كتب إليه رجلٌ رسالةً بدأها بعبارة من عبدك فلان فكتب إليه الخليفة لا أعلمنّ أحدًا نسب نفسه إلى العبودية والمذلة والمهانة إلا أن يكون منافقًا كاذبًا ولا يقبل ذلك إلا كل أحمق غبي جاهل أراد بذلك أن يعلّم الناس أن التزلّف ليس تواضعًا وأن مدح الحاكم بما ليس فيه ليس إخلاصًا بل خيانةٌ للأمانة وفسادٌ في القول والعمل.


النفاق الاجتماعي والسياسي والأسري آفةٌ تضرب جذور الأمة في الصميم تُفرّق بين الإخوة وتزرع الحقد في القلوب وتُطفئ نور الحقّ في المؤسسات والمجالس والبيوت في المجتمعات التي يستشري فيها النفاق لا يُكافأ المخلصون ولا يُسمع لصوت الصادقين لأن المنافقين يملؤون الساحات بأصواتهم الزائفة يرفعون من لا يستحق ويُسقطون من يعمل بإخلاص ولذا نجد الأمم التي يغلب فيها الرياء تترنّح في مستنقع التخلف مهما تزيّنت بشعارات الحضارة.


النفاق في السياسة أشد خطرًا لأنه يفسد الحكم ويشوّه العدالة المسؤول الذي يُحيط نفسه بالمنافقين لن يرى الحقيقة أبدًا، لأنهم لا يعكسون له إلا ما يريد سماعه فيعيش في وهمٍ صنعوه له حتى إذا سقط وجد نفسه وحيدًا بلا ناصحٍ صادق ولا معينٍ أمين المنافقون لا يؤمنون بوطن ولا بمبدأ إنما يسيرون حيث الريح تميل فإذا تبدّلت المصالح تبدّلت وجوههم وكلماتهم.


وفي الأسرة أيضًا حين يتظاهر بعض الأبناء أو الأزواج بالمحبة والاحترام وهم يُخفون البغضاء تُفقد البركة وتختفي السكينة إن النفاق لا يُدمّر الدول فحسب بل يهدم البيوت من الداخل ويجعل العلاقات الإنسانية قائمة على المظاهر لا على الصدق.


فيا أيهاالمسؤولون الكبار أبعدوا عنكم المنافقين فإنهم دنسٌ وخيانةٌ للأمة وعقبةٌ في طريق الإصلاح يُجمّلون القبيح ويُبرّرون الفشل ويُهلّلون للباطل باسم الولاء هؤلاء لا يعرفون معنى الوطنية لأن قلوبهم خاوية من الإيمان بالحق.


ولله دَرُّ القائل:


ثَوْبُ الرِياءِ يشِفُّ عَمّا تحتهُ

فإذا الْتَحَفْتَ بهِ فَإنَّكَ عارِ


نعم فالمنافق مهما حاول أن يُخفي زيفه تفضحه ملامحه وأفعاله لأن النية الصادقة لا تُزيَّف والقلوب النقية لا تُخفى فطوبى للصادقين الذين لا يقولون ما لا يؤمنون ولا يتزينون بالكذب لأن الصدق وإن كان مُرًّا هو الطريق الوحيد إلى طمأنينة القلب ورضا الله والناس.

محمد العنبري