آخر تحديث :الإثنين-24 نوفمبر 2025-02:56م

من لا يتحرك يتحلل. الشعيبي بين الحلم الإداري وواقع البيروقراطية

الأحد - 02 نوفمبر 2025 - الساعة 09:23 ص
غمدان ابواصبع

بقلم: غمدان ابواصبع
- ارشيف الكاتب


يُعد الدكتور يحيى الشعيبي أحد أبرز الأسماء التي شكّلت علامة فارقة في الإدارة اليمنية الحديثة لا باعتباره نموذجًا مثاليًا خاليًا من الأخطاء بل كشخصية واجهت تحديات حقيقية داخل منظومة حكومية تآكلت مؤسساتها فنجح في مراحل، وتعثر في أخرى، لكنه ظلّ محافظًا على صورة القيادي المنضبط والمسؤول.


منذ بداياته، عُرف الشعيبي بنمطه الإداري الهادئ والمنظم، وميله إلى إعلاء قيم الكفاءة على حساب الولاءات ساعيًا لترسيخ ثقافة العمل المؤسسي القائم على الانضباط والعدالة.


غير أن طموحه اصطدم لاحقًا بواقع مختلف حين تولّى إدارة مكتب رئاسة الجمهورية في مرحلة كان فيها مفهوم “المؤسسة” أقرب إلى الاسم منه إلى الفعل.


إن قراءة تجربة الشعيبي بإنصاف تكشف حالة من الإحباط؛ فالرجل الذي عُرف بنجاحه وجد نفسه أمام واقع إداري بائس بين مبنى لا يصلح أن يكون مؤسسة وطنية وبين جهاز إداري يعاني شللاً شبه تام.


فقد كان الموظفون ينتظرون ما يردهم عبر البريد دون قدرة حقيقية على المبادرة أو الابتكار، ما جعل من المكتب أشبه بجسم بلا روح لا تحركه رؤية ولا يؤطّره نظام.


حتى الكادر الذي جاء مع المدير في بدايات عمله لم يكن بالضرورة مؤهلًا أو قادرًا على إحداث فارق وانما تشكّل معظمها بفعل المحسوبية لا الكفاءة وهو ما أفقد المكتب روح العمل الجماعي القادر على الإنجاز.


ومن عجز عن الابتكار واكتفى بانتظار البريد، لا يمكن له أن يتقدم ويحقق نجاح فهو اعتاد الانتظار ومن ينتظر لا يمكن أن يقدم نفسه كنموذج للعمل بما يلبي الحاجة .


إنه أشبه بمن يعيش مقولة من لا يتحرك يتحلل، ومن يتحلل لا يمكن أن يعود وهذه هي الحقيقة المؤلمة التي جعلت أي محاولة للإصلاح تصطدم بعقلية إدارية ساكنة لا ترى في التغيير سوى تهديد لمصالحها.


لقد وضع واقع مكتب الرئاسة الدكتور يحيى الشعيبي أمام اختبارٍ حقيقي بين خيارين أحلاهما مرّ إما البقاء على رتابة الروتين الذي اعتاده الموظف القديم وهو الاعتماد على ما يحال إليه من مكتب المدير أو الاعتماد على كادر جديد تشكّل بفعل المحسوبية لا بالكفاءة ويجهل عمل المكتب ودروه .


وكلا الخيارين لا يمكن أن يمنح التجربة أي تقدم حقيقي. كان أمامه تحدٍ أكبر من تغيير الهيكل الإداري وهو إعادة تأهيل الإنسان الموظف الذي غرق في دوامة الانتظار وغياب المهام طيلة عشر سنوات لم يقوم بأي عمل يذكر ما حوله إلى عنصر غير فاعل وغير مدرك ان المرحلة لم تعود مرحلة روتين أعتاد عليه في الماضي ليتحول الى عبء أخرى غير قادر بأن يحمل المسؤولية فهو غير قادر على استيعابه ان العمل الإداري ليس توقيعًا على الورق، بل التزامًا نحو الوطن والمؤسسة.


وفي هذا التحدي تتجسد خلاصة التجربة بان الإصلاح لا يتحقق بالنوايا الحسنة ولا بالخبرة وحدها، بل بقدرة القيادة على كسر جدار العجز المزمن داخل الجهاز الإداري واستنهاض روح العمل في بيئة فقدت الإيمان بالتغيير.