آخر تحديث :الإثنين-03 نوفمبر 2025-11:57م

سر قوة مصر..

الأحد - 02 نوفمبر 2025 - الساعة 11:53 ص
محمد الخامري

بقلم: محمد الخامري
- ارشيف الكاتب


محمد الخامري

حجم الترويج والتغطية الهائلة من القنوات العالمية لافتتاح المتحف المصري الكبير، وحضور ملك البلجيكيين ورئيس الوزراء؛ اللذَين قلما يحضران في مكان واحد، إضافة إلى العديد من ملوك ورؤساء الدول والحكومات الذين حضروا افتتاح المتحف؛ لفت انتباه ابني الصغير الذي سأل باستغراب عن سرّ قوة مصر، ولماذا يهتم العالم بأحداثها بهذا الشكل المبالغ فيه..!!

شرحتُ له أن مصر لها خصوصيات لاتنافسها فيها دولة أخرى، فهي ليست دولة طارئة في عمر الجغرافيا، ولا طفرة نفطية في موازين الاقتصاد، بل حضارة عميقة تمتد لآلاف السنين، وإرثها التاريخي وحده يفرض نفسه على الإعلام العالمي مجانا، وتفرض حضورها في أي حدث ثقافي دون إعلان مدفوع..

📌 كما ان موقعها الجغرافي الاستثنائي المطل على البحرين الأبيض والأحمر، وتحكمها في قناة السويس جعلها عقدة التجارة وملتقى المصالح، وقُربها من ثلاث قارات؛ أوروبا وبوابة افريقيا والعالم العربي في آسيا؛ منحها وزن لايمكن تجاوزه، بل وجعل كل القوى الكبرى معنية بما يحدث فيها، ومايصدر عنها، ومهتمة باستقرارها ونفوذها..

📌 ثِقَل السكان والوقود البشري.. عندك 110 مليون عقل ويد وصوت، هذا يعني كثافة سكانية، وقوة بشرية وثقافية مؤثرة في الحياة العامة كالفن والإعلام والسياسة والاقتصاد، أي انها سوق ضخمة، وقوة ناعمة، وتأثير ثقافي وسياسي وإعلامي، ولن تجد أي بيت عربي إلا ويحمل شيئا من الذاكرة المصرية، فالأغاني والدراما والكوميديا والأدب، جزء أساسي من ذاكرة كل عربي، بل ان اللهجة المصرية العامة هي اللغة البيضاء التي يتفاهم بها العرب فيما بينهم، من جزيرة مسندم شرقاً إلى طنجة غربا..

📌 الدولة المصرية تملك مؤسسات دولة، راسخة وقادرة على الاستمرار رغم العواصف، وجيش قوي متماسك، يحظى باحترام محلي واقليمي ودولي واسع، وهو مايمنح الدولة المصرية ثباتا في الخارطة العالمية..

مصر قوية بجيشها وقيادتها وقرارها وعمقها السياسي، وليست كيانا هشا تذروه الرياح إذا سقط وزير أو تغيّرت حكومة..!

📌 والأهم؛ قدرتها الفريدة على تحويل التاريخ إلى نفوذ حيّ وحاضر فعّال، بل وتطويعه لخدمة مصر، فالتاريخ والحضارة من ادوات القوة الناعمة، والمتحف المصري الكبير كان درس مجاني في التسويق للحضارة المصرية القديمة، فمن ليس له تاريخ لاحاضر له، وعبرهُ استطاعت القيادة هناك تصدير صورة الاستقرار الذي تنعم به مصر، سياسيا وامنيا واقتصاديا من خلال التحشيد والزخم الإعلامي، كما انها نجحت في صناعة هيبة مصر وثقلها الدولي رغم تعمد بعض القيادات العربية التشكيك في ذلك من خلال عدم حضورهم حفل الافتتاح..

📌 أخيرا، كاريزما المواطن المصري بتلقائيته يصنع حديث المجالس وترند مواقع التواصل الاجتماعي من لاشيء، فكيف إذا اجتمع عمق التاريخ مع قوة الدولة مع الإعلام، حينها توقع ماشئت، وحدث ولاحرج..

ماحدث بالأمس كان دعاية تسويقية مجانية على الهواء مباشرة، لم تدفع مصر دولارا واحدا لأجله، ومع ذلك تسابق العالم كله لتغطيته، وكأنه مهرجان كوني، لو أرادت دولة أخرى شراء هذا الاهتمام لكلّفتها عشرات المليارات من الدولارات..

سرّ قوة مصر ليس فقط في ماضيها، بل في قدرتها على تحويل الماضي إلى نفوذ حيّ في الحاضر، وليست في الذهب الذي تحت الأرض فقط، بل في القيادة العظيمة، التي تفكر بنهضة شعوبها، واستقلال قرارها، وسيادة أراضيها..