آخر تحديث :الإثنين-03 نوفمبر 2025-11:57م

تحرير سعر الدولار الجمركي.. قرار اقتصادي بوجهٍ اجتماعي مؤلم

الأحد - 02 نوفمبر 2025 - الساعة 08:22 م
عبدالله الجفري

بقلم: عبدالله الجفري
- ارشيف الكاتب


في ظل التدهور الاقتصادي الذي يعيشه اليمن، أقرّت الحكومة والمجلس الرئاسي ضمن خطة الإصلاحات الاقتصادية الشاملة خطوة تحرير سعر الدولار الجمركي، وهي الخطوة التي تُعدّ من أكثر الإجراءات تأثيرًا على حياة الناس ومعيشتهم اليومية.

ورغم ما تحمله من أهداف مالية معلنة — كزيادة الإيرادات ووقف نزيف الموارد — إلا أن تبعاتها الاجتماعية والاقتصادية قد تكون قاسية على المواطن الذي يعاني أصلًا من ارتفاع الأسعار وتراجع القدرة الشرائية.


ماذا يعني تحرير سعر الدولار الجمركي؟

تحرير الدولار الجمركي يعني احتساب الرسوم الجمركية على السلع المستوردة بسعر صرف السوق الفعلي للدولار بدلًا من السعر الحكومي المخفّض المعمول به سابقًا.

فعلى سبيل المثال، إذا كان السعر الجمركي المعتمد سابقًا هو 500 ريال للدولار، فإن تحريره ليصبح بسعر السوق (مثلاً 1400 ريال) يعني أن الرسوم الجمركية على السلع ستزداد بما يقارب ثلاثة أضعاف.

هذه الزيادة لا تبقى داخل الموانئ والمنافذ، بل تنتقل تدريجيًا إلى رفوف الأسواق حيث يتحملها المستهلك النهائي، أي المواطن.


انعكاسات مباشرة على الأسعار والمعيشة

تحرير سعر الدولار الجمركي سيؤدي إلى ارتفاع أسعار السلع المستوردة كافة، خصوصًا المواد الغذائية الأساسية كالقمح والأرز والزيوت والسكر والحليب، إضافة إلى الأدوية ومواد البناء والمستلزمات الصناعية.

ويرجع ذلك إلى أن معظم المواد الاستهلاكية في اليمن مستوردة من الخارج، ما يجعل أي تغيير في الرسوم أو سعر الصرف ينعكس فورًا على الأسعار المحلية.

وبما أن السوق اليمني يعاني أصلًا من ضعف الرقابة واحتكار بعض التجار الكبار، فإن رفع الرسوم الجمركية سيمنح هؤلاء مبررًا جديدًا لزيادة الأسعار بشكل أكبر من النسبة الحقيقية، مما سيقود إلى موجة تضخم جديدة تضرب كل جوانب الحياة.


تأثيرات اقتصادية واجتماعية مركّبة

1. تآكل القدرة الشرائية:

المواطن الذي بالكاد يغطي احتياجاته اليوم، سيجد نفسه عاجزًا عن شراء كثير من السلع الأساسية، خصوصًا أن الرواتب لم تشهد أي زيادة منذ سنوات، بينما الأسعار تتضاعف باستمرار.


2. تراجع الطبقة المتوسطة:

رفع الأسعار سيقضي على ما تبقى من الطبقة المتوسطة التي كانت تمثل صمام أمان اجتماعي، ليتحول معظم السكان إلى فئة فقيرة تعتمد على المساعدات.


3. انكماش النشاط التجاري:

مع انخفاض الطلب بسبب الغلاء، سيعاني السوق من الركود، وقد تُغلق محال كثيرة أو تقلل نشاطها، مما يعني فقدان المزيد من فرص العمل.


4. زيادة الفقر والجوع:

اليمن، الذي يُصنف ضمن أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم، سيشهد زيادة في معدلات الفقر وسوء التغذية، خصوصًا بين الأطفال والنساء.


الهدف الحكومي.. والنتيجة الواقعية

تقول الحكومة إن هذا الإجراء ضروري لتصحيح مسار الاقتصاد وزيادة الإيرادات العامة بعد سنوات من الفساد والتسرب المالي، غير أن الواقع يشير إلى أن النتائج الفعلية ستظهر على حساب المواطن.

فالإصلاح المالي الحقيقي لا يتحقق بمجرد زيادة الرسوم، بل بتوسيع الإنتاج المحلي، وضبط المنافذ، ومكافحة الفساد في تحصيل الإيرادات، وتفعيل مؤسسات الدولة التي تُهدر أموالها دون رقابة أو شفافية.

وفي غياب هذه الإجراءات المصاحبة، فإن قرار تحرير الدولار الجمركي سيصبح أداة جباية إضافية لا إصلاحًا اقتصاديًا حقيقيًا.


بين الإصلاح والعدالة الاجتماعية

الإصلاح الاقتصادي الناجح هو الذي يُوازن بين حاجات الدولة ومصلحة المواطن.

فلا يمكن إنقاذ خزينة الدولة عبر إفراغ جيوب الناس، ولا يمكن بناء اقتصاد قوي على أنقاض معاناة المجتمع.

ينبغي أن تُرافق أي خطة إصلاح مالي سياسات دعم اجتماعي حقيقية مثل رفع الأجور، وتقديم إعفاءات للسلع الأساسية، ودعم قطاع الإنتاج المحلي لتقليل الاعتماد على الاستيراد.


ختاماً

تحرير سعر الدولار الجمركي، إن طُبّق دون رؤية واضحة أو حماية موازية للفئات الفقيرة، سيكون بمثابة شرارة غلاء جديدة قد تُعمّق أزمات الجوع والفقر وتفقد المواطن ما تبقى من صبره وثقته بالحكومة.

وإذا لم ترافق هذه الخطوة إصلاحات شاملة تمس مكافحة الفساد وتحسين الإدارة المالية والرقابة على الأسعار، فستتحول من قرار إصلاحي إلى عبء اجتماعي قاسٍ يدفع ثمنه المواطن وحده.