/عدنان زين خواجه
في مشهدٍ لا يشبه إلا نفسه، يعيش اليمن واحدة من أعجب المآسي في تاريخ الدول الحديثة، متمثلة في ظاهرة النهب المنظّم لثرواته الوطنية على أيدي من يفترض بهم أن يكونوا حماة المال العام، لا ناهبيه. المفارقة الموجعة أن هذا النهب لم يعد سراً يتداول في الخفاء، بل أصبح حديث الشارع اليومي، يعرف المواطن فيه أسماء اللصوص وصفاتهم الوظيفية، دون أن يجرؤ أحد على مساءلتهم أو محاسبتهم.
من النفط إلى الغاز، ومن الذهب إلى المعادن الثمينة والأحجار الكريمة، ومن الآثار التاريخية إلى النقوش القديمة، لا يكاد قطاع من قطاعات الدولة إلا وقد طاله النهب المنظم. تُسرق آبار النفط كاملة لا بالبرميل ولا بالجالون، وتُهرَّب الثروات المعدنية والأثرية إلى الخارج تحت حماية نفوذ سياسي أو عسكري، حتى أصبحت ثروات اليمن الباطنية تُدار كما لو كانت ملكاً خاصاً لقلة من المنتفعين.
المفارقة الكبرى أن هؤلاء الذين امتلأت حساباتهم بالمليارات من خيرات البلاد، لا يستثمرونها في الداخل لتشغيل الأيدي العاملة وتخفيف البطالة، أو لإنشاء مشاريع تنموية تحيي الاقتصاد الوطني المنهار، بل يهرّبونها إلى الخارج ليستفيد منها الآخرون. ففي حين يعاني المواطن اليمني من الفقر والجوع وانعدام فرص العمل، نجد أموال اليمن المنهوبة تُضَخ في أسواق العقارات والمصارف في دول الخليج، ومصر والأردن ولبنان والمغرب وتركيا وماليزيا وإندونيسيا، بل وحتى في أوروبا والولايات المتحدة وإفريقيا.
تشير التقديرات غير الرسمية إلى أن حجم الاستثمارات اليمنية في الخارج قد يبلغ عشرات المليارات من الدولارات، وربما يفوق ذلك بأضعاف. أموال لو وُجِّه جزء يسير منها إلى الداخل، لأمكن إعادة إعمار ما دمرته الحروب، وإنعاش الاقتصاد، وتحسين الخدمات العامة، وتوفير فرص عمل للشباب العاطل.
لكن بدلاً من ذلك، تتواصل عملية النهب بلا رقيب، وتتوسع دائرة الفساد يوماً بعد يوم في ظل غياب المساءلة والمحاسبة. والنتيجة وطن ينهب مرتين: مرة حين تُسرق ثرواته، ومرة حين تُستثمر في خدمة أوطانٍ أخرى.
إنها مأساة وطن لم يُسلب فقط من خيراته، بل من ضمائر من تولوا أمره. ولا خلاص إلا بإرادة وطنية حقيقية تُعيد الاعتبار للمال العام، وتستعيد ما نُهب، وتضع حداً لعصر النهب المنظم الذي جعل من اليمن مثالاً حيّاً على كيف تُمزق الثروات حين تغيب الدولة ويُغتال الضمير.