بصفتي خضت تجربة الهجرة غير الشرعية في بولندا، أتابع اليوم تعاطي اليمنيين مع أزمة المهاجرين الأفارقة بعيون مختلفة. فقد ذقت العنصرية في أوروبا، وعاينت كيف تتحول شعارات “حقوق الإنسان” إلى غطاء لسياسات القسوة والطرد.
تجربة الهجرة... من الغابة إلى الأسوار
في بولندا، رُفض طلب لجوئي ثمان مرات. كنت أُركل مثل كرة بين أقدام حرس الحدود البولندي والبيلاروسي. كانوا يرشقوننا بالحجارة حتى في أوقات الصلاة. هناك كتبت كتابي «على أسوار بولندا»، لأسجل ما عايشته أنا ورفاق الغابة، لا طلباً للشفقة، بل تذكرةً لكل من يظن أن الغرب هو جنة الإنسانية.
بولندا، الدولة العضو في الاتحاد الأوروبي والموقعة على اتفاقيات حماية اللاجئين، تتجاهل تلك الاتفاقيات عملياً. أما اليمن، المنهك بالحروب والفقر، فيستقبل الآلاف من المهاجرين الأفارقة دون هجرة قسرية أو عنف منظم. هذه المفارقة تطرح سؤالاً مؤلماً: كيف تكون الرحمة في بلد منكوب، وتنعدم في بلدان متخمة بالثراء والنظام؟
مفارقات مؤلمة
إثيوبيا، الأكثر استقراراً من اليمن، تصدّر مهاجريها إليه، ومع ذلك تجد في ضمير اليمنيين رفضاً عاماً للعنصرية. أغلب الأصوات التي تطالب بترحيل المهاجرين الأفارقة انطلقت من أسباب أمنية محددة، لا من كراهية عرقية. الكثير من المهاجرين يعملون في مزارع القات وغيرها دون أوراق رسمية أو حماية قانونية، ومع ذلك يعيش كثيرون منهم بسلام نسبي حالهم كحال اليمن.
في المقابل، أعرف يمنيين مُنعوا من دخول مطارات عربية لأنهم لا يملكون مبالغ مالية محددة، وآخرين سُجنوا لمجرد محاولتهم دخول دولٍ عربية طلباً للأمان أو العمل. المفارقة أن الدول الغنية تغلق أبوابها أمام الفقراء، بينما يفتح بلدٌ محطم كاليمن حدوده دون مقابل.
أين تذهب أموال الاستضافة؟
تتحدث تقارير عن حصول الحكومة اليمنية على دعم مالي مقابل استضافة المهاجرين الأفارقة، لكن لا أحد يعرف على وجه الدقة أين تذهب تلك الأموال. السؤال المنطقي هنا: لماذا يتحرك الضمير الإنساني في بلد فقير مكسور مثل اليمن، ويتجمد في بلدانٍ غنية ومتقدمة؟
بين العنصرية وردّ الفعل
من عاش العنصرية لا يحق له أن يمارسها. التجربة التي تُهين الإنسان يجب أن تعلّمه أن يصون كرامة غيره. لهذا، لا أؤيد دعوات الترحيل القسري، ولا أرى لها جدوى إنسانية أو اقتصادية. ما أطالب به هو تصحيح أوضاع المهاجرين الأفارقة قانونياً، وضمان عدم استغلالهم في الحروب أو التهريب أو الهجرة الطوعية.