آخر تحديث :السبت-08 نوفمبر 2025-10:48ص

مخاض الجمهورية الثانية وتحرير الإرادة الوطنية

الجمعة - 07 نوفمبر 2025 - الساعة 10:02 م
صخر الخطيب

بقلم: صخر الخطيب
- ارشيف الكاتب


يمر اليمن اليوم بمرحلة تاريخية مفصلية، توصف بحق بأنها المخاض الأخير لولادة كيان جمهوري جديد، يطمح إليه اليمنيون بعد عقود من الإحباطات والصراعات التي عصفت بالبناء الوطني، إن الشعور العام الذي يسيطر على وجدان الكثيرين من اليمنيون، هو أن البلاد تعيش أصعب أيامها، أيام يختلط فيها الألم بالعوز، والقهر باليأس، نتيجة للهيمنة المزدوجة التي فرضتها جماعات ذات أجندات أيديولوجية ضيقة، سواء كانت ميليشيا متطرفة أو أحزاب ذات نفوذ عقائدي متطرف ايضاً، هذه المرحلة، رغم قسوتها وظلامها، تحمل في طياتها بذور فجر الحرية المنشودة، التي لن تتحقق إلا بتطهير المشهد السياسي والعسكري من قوى الاستبداد التي استنزفت طاقات الشعب اليمني وعصفت به الى اتون حرب أهلية دارتها المليشيا الحوثي بانقلابها على الدستور والقانون ومؤسسات الدولة.


إن المعاناة التي يعيشها كل بيت يمني اليوم ليست مجرد نتيجة للحرب الدائرة فقط، بل هي انعكاس مباشر لظلم وتغول الجماعات التي استغلت الفراغ السياسي والأمني لفرض أجندتها الخاصة، متجاهلة الإرادة الوطنية الجامعة والاحزاب اليمينية الايلامية المتطرفة التي كان من المفترض أن تكون رافعة للتنمية والوحدة، تحولت في مساراتها إلى أدوات للصراع الهوياتي أو أدوات للسيطرة على الموارد، مما أدى إلى تآكل الثقة في المؤسسات الوطنية

هذا القهر الروحي والمادي والمعنوي يغذي إصرار الشعب على انتزاع حقه في دولة حديثة تحترم سيادة القانون وتضمن كرامة المواطن.


إن النظرة المتفائلة نحو المستقبل تستند إلى حقيقة أن القوى الشعبية الرافضة للاحتكار والاستبداد والملشنة هي الأكثر أصالة وعمقاً في التربة اليمنية إن مصير أي مشروع يرتكز على القوة الغاشمة أو التبعية الخارجية محكوم عليه بالزوال أمام إرادة شعب كافح عبر تاريخه الطويل من أجل الحرية، لكن كان عناك راي اخر لمليشيا الحوثي الذي اعتمد على أدوات عسكرية وإيديولوجية لفرض رؤيته، يواجه اليوم مقاومة داخلية متصاعدة، ليس فقط من القوى العسكرية المعارضة، بل من شرائح واسعة من المجتمع أدركت أن هذا المشروع يعيد البلاد إلى عصور الظلام والتخلف، وإن الاستنزاف الاقتصادي والاجتماعي الذي أحدثته سياسات المليشيا أدى إلى نفور حتى من كانت لديهم تحفظات سابقة.


على الجانب الآخر، يمثل حزب الإصلاح، بمؤسساته المختلفة، حالة من الإشكالية التاريخية فبينما كان يمكن أن يكون ركيزة أساسية في المشروع الجمهوري، تحول في مراحل كثيرة إلى طرف في التجاذبات السياسية، مُفَضِّلًا الحفاظ على نفوذه ومناطقه على حساب التوحيد الوطني ضد التهديد الأكبر. إن أي مسار جمهوري ثاني يتطلب تجاوز منطق التموضع الحزبي الضيق، وضرورة إخضاع جميع القوى السياسية، بما فيها تلك التي تحمل شعارات دينية، للمنظومة القانونية المدنية الجامعة حينها سيزول هذا النموذج الحزبي المُغلق لصالح بناء دولة مؤسسات لا تعترف بالهيمنة الأيديولوجية على حساب المواطنة.


إن هذا المخاض العسير هو الثمن الذي يُدفع لتأسيس الجمهورية الثاني هذه الجمهورية يجب أن تكون مختلفة جذرياً عن سابقاتها جمهورية قائمة على التوزيع العادل للسلطة والثروة، ومفصولة بشكل واضح عن النفوذ العسكري غير المنظم.


إن الشعور بالألم في كل بيت يمني ليس مجرد إحصاء للخسائر، بل هو وقود لإشعال الرغبة في التغيير الجذري الشعب اليمني، الذي أثبت قدرته على الصمود في وجه أعتى الظروف، لن يقبل بأن يكون مصيره رهينة لجماعات تتاجر بالدين أو السياسة باسم الماضي.


الرسالة التي يجب أن تصل واضحة وقوية هي: لن نستسلم حتى يتحرر اليمن من المليشيات الحوثية وحزب الإصلاحية التي عرقلت بناء الدولة المدنية هذا التحرير لا يقتصر فقط على الجانب العسكري، بل هو تحرير فكري وسياسي وإداري ويجب أن تتحقق معادلة الكرامة والحرية التي يتوق إليها اليمنيون، إما أن نعيش أحراراً، نتحكم في مصيرنا ونبني دولتنا على أسس الشراكة والعدالة، أو أن نختار الموت بكرامة دفاعا عن الوطن بدلاً من العيش في قهر دائم.


إن شمس الحرية لا بد أن تشرق، فالتحولات الكبرى في التاريخ لا تقف عند إرادة المستبدين عندما يتوحد الشعب اليمني، من أقصى الجنوب إلى أقصى الشمال، تحت مظلة مشروع وطني جامع يرفض الإقصاء والتطرف، فإن نهاية القوى التي تعتاش على الفرقة والصراع تكون حتمية القول "ارحلوا" لن يكون مجرد شعار عابر، بل إرادة شعبية مدموغة بالصبر والتضحية، ستجبر تلك الجماعات على الرحيل غير مأسوف عليه، لتبدأ مسيرة إعادة بناء الثقة والوطن وإن اليمن سيبقى، وبقاؤه مرتبط بتطهير سمائه من غيوم الاستبداد الحوثي والإصلاحي المتصلب.