آخر تحديث :السبت-08 نوفمبر 2025-05:21م

نحن العباقرة… والعالم كلّه أغبياء!

السبت - 08 نوفمبر 2025 - الساعة 09:25 ص
غسان جابر

بقلم: غسان جابر
- ارشيف الكاتب


في فلسطين، لا خوف علينا… نحن بخير، بل أكثر من بخير، نحن في حالة “رفاهية فكرية” لا مثيل لها، لأننا – ببساطة – الشعب الوحيد في الكون الذي يفهم كل شيء، من السياسة إلى الطب، من الفلك إلى الفساد، ومن الغاز إلى الغلا.


كل واحد فينا خبير إستراتيجي، ومحلّل سياسي، ومستشار اقتصادي، ومفتٍ شرعي عند اللزوم، وإذا احتدمت النقاشات، فلدينا دائمًا الجواب الجاهز:


> “أنا فاهمها من الأول… بس ما حبيت أحكي.”


نحن نكره الغلط، لكن بشرط… أن لا يأتي من طرفنا. فحين نخطئ، نسميه “اجتهادًا”، وحين يخطئ غيرنا، نسميه “خيانة”.

وحين نسرق، نبرّرها بأنها “مصلحة عامة”، وحين يسرق غيرنا، نطالب بإعدامه على الملأ.


في السياسة؟

كل فصيل عنده “الحق المطلق”، وكل قائد يرى نفسه الوريث الشرعي للقدس، ولو سألته عن الكهرباء أو المياه أو الرواتب يقول لك بثقة الملوك:


> “إحنا بنشتغل بصمت.”

صمت طويل جدًا، أطول من ليل غزة تحت القصف، وأثقل من انتظار الموظف لراتبه الناقص.


أما “الأمناء العامّون” – يا سلام عليهم – فهم من فصيلة نادرة جدًا، لا تُقاس مقاماتهم بمقاييس البشر. مقطوع وصفهم، كما يقول العامة، يعيشون بين “المؤتمرات” و”البيانات”، ينامون على الحرير الثوري، ويستيقظون على بيانات التنديد.

وعندما تراهم على الشاشة، تشعر أنك أمام خليط من سقراط وغاندي ومانديلا… لكن بنسخة فلسطينية محسّنة لا تشتغل إلا عند اللزوم!


ولو سألت أحدهم: “وين الإنجاز؟”

يبتسم ويقول لك: “الإنجاز إنّا لسه موجودين.”

يا سلام! برافو علينا إذن… وجودنا صار إنجازًا، ومجرّد البقاء صار بطولة!


أما ثقافتنا، فحدّث ولا حرج…

نقدّس الشعارات أكثر من القيم، ونرفع اللافتات أكثر مما نقرأ الكتب، ونصفّق للزعيم أكثر مما نصغي للمنكوب.

وإذا حاول أحدنا التفكير خارج الصندوق، قلنا عنه “مندسّ”، وإذا صمت، قلنا “جبان”، وإذا نجح، قلنا “محظوظ”.


نحن مجتمع الإعفاءات التامة من المسؤولية:

كلّنا ضحايا، وكلّنا مظلومون، وكلّنا أذكى من أن نُحاسَب.

وكلّما ازدادت الفوضى، زدنا فخرًا بعبقريتنا الوطنية.

فمن غيرنا يقدر أن يعيش في انقسام منذ عقدين، ويقنع نفسه أنه في “مرحلة تحرّر وطني”؟


أما عن “الرفاهية” الفلسطينية؟

فحدّث الإعلام عن دولة فيها حكومتان، ووزارتان للتربية، وميزانيتان بلا ميزانية، ونواب في إجازة مفتوحة منذ قرن سياسي كامل…

ومع ذلك، لا زلنا نغني للوطن ونرفع الأعلام ونقول بثقة مدهشة:


> “الأمور تمام، بس الناس ما بتفهم!”


نعم، نحن العباقرة…

نعيش بلا كهرباء، بلا رواتب، بلا قيادة متفق عليها، بلا مشروع وطني جامع،

لكننا ما زلنا نرى أنفسنا أذكى من الدنيا كلها.

وهذا وحده إنجاز يستحق جائزة نوبل في “فن البقاء على قيد الغرور”!


م. غسان جابر - مهندس و سياسي فلسطيني - قيادي في حركة المبادرة الوطنية الفلسطينية - نائب رئيس لجنة تجار باب الزاوية و البلدة القديمة في الخليل -نائب رئيس اللجنة التحضيرية لمنبر صحفيون من أجل فلسطين.