آخر تحديث :الإثنين-15 ديسمبر 2025-05:18م

ثورة Z زد في تنزانيا: قامت في وجه الفساد والفاسدين

الخميس - 13 نوفمبر 2025 - الساعة 02:49 م
صلاح البندق

بقلم: صلاح البندق
- ارشيف الكاتب


في كل بقعة من هذا العالم، حين تُثقل كاهل الشعوب بالظلم، وحين تُكمّم الأفواه ويُكمَّم معها الأمل، يولد الغضب من رحم الصبر، وينهض الإنسان ليطالب بحقه في الحياة الكريمة. هكذا كانت ثورة Z زد في تنزانيا، ثورة ليست كغيرها، لأنها لم تندلع بدافع سياسي ضيّق أو طائفي محدود، بل خرجت من عمق المعاناة اليومية، من بطنٍ جائعٍ، ومن قلبٍ يائسٍ من وعود الحكومات التي لم تعرف من الحكم سوى نهب الثروات وتكميم الأفواه.


كانت البداية شرارة صغيرة، لكن كما يقول التاريخ: النار العظيمة تبدأ من عود ثقاب صغير. اشتعلت في تنزانيا نيران الغضب الشعبي بعدما فاض الكيل، وبعد أن أصبح المواطن البسيط عاجزاً عن تأمين لقمة العيش، بينما يعيش كبار المسؤولين في قصورٍ فاخرة ويقودون السيارات الفارهة على حساب عرق الفقراء. كانت تلك المفارقة الصارخة بين الغنى الفاحش والفقر المدقع كفيلة بأن تفجر صرخةً تهز البلاد من أقصاها إلى أقصاها.


لم تكن ثورة Z زد ثورة جياعٍ فحسب، بل كانت ثورة وعيٍ وكرامة، إذ أدرك الشعب أن الصمت على الفساد هو نوع من المشاركة فيه، وأن السكوت الطويل لا يُثمر إلا مزيداً من الذل. خرج الشباب والنساء والعمال والطلاب، يهتفون من أجل العدالة والمحاسبة، من أجل وطنٍ لا يُسرق فيه المستقبل قبل الحاضر. كانت شعاراتهم واضحة:

"لن نعيش عبيداً في وطنٍ غني، ولن نسكت بعد اليوم."


الفساد... أصل الداء وأمّ الأوجاع


لقد أدرك أبناء تنزانيا، كما أدركت الشعوب قبلهم، أن الفقر ليس قَدَراً من السماء، بل هو نتيجة حتمية لفسادٍ متجذر. فحين تتحول الوزارات إلى ممالك خاصة، وحين تُوزع المناصب لا على أساس الكفاءة بل على الولاء والقرابة، وحين يُنهب المال العام ويُبدد في مشاريع وهمية، فإن الدولة تفقد روحها، ويصبح الشعب أول الضحايا.


وليس غريباً أن نرى اليوم تشابهًا عجيباً بين ما يجري في تنزانيا، وما جرى في النيبال والمغرب.

ففي النيبال، خرج الشعب بعد سنواتٍ من الإهمال والتفاوت الطبقي الصارخ، يطالب بعدالة اجتماعية تُنصف الفقراء في الجبال كما تُنصف الأغنياء في العاصمة. هناك أيضاً، كان الفساد هو الوقود الذي أشعل الثورة، إذ تحولت موارد البلاد إلى جيوب القلة، فيما ظلّ الشعب يعاني من البطالة وغلاء الأسعار وتدهور الخدمات.


أما في المغرب، فقد كانت الشرارة مختلفة في الشكل لكنها متطابقة في الجوهر. خرج الناس إلى الشوارع يطالبون بمحاربة الفساد، بعدما فقدوا الثقة في مؤسساتٍ تُنفق الملايين على المظاهر، بينما يعيش المواطن البسيط على الهامش. من حراك الريف إلى احتجاجات الخبز، كانت الرسالة واحدة: لا إصلاح دون محاسبة، ولا استقرار دون عدالة اجتماعية.


الجياع لا يُهزمون


الجوع ليس ضعفاً كما يظن الطغاة، بل هو طاقة كامنة، حين تبلغ مداها، تنفجر في وجه الظالمين. فالجائع الذي يُحرم من حقه في العيش الكريم لا يملك ما يخسره، ومن لا يملك شيئاً يخسره، هو أخطر من كل الجيوش.

لذلك، لم تنجح محاولات القمع في إسكات ثورة Z زد. حاول النظام أن يواجهها بالاعتقالات والترهيب، لكنه فوجئ بأن الجوع لا يخاف، وأن العطش لا يتراجع أمام الرصاص.

ترددت هتافات الثوار في شوارع دار السلام وأروشا وموانزا:

"خبز وحرية... لا سرقة ولا عبودية!"

"نحن الشعب... نحن الدولة!"


هذه الشعارات لم تكن مجرد كلماتٍ، بل كانت إعلانًا عن ميلاد وعيٍ جديد. وعيٍ يؤمن بأن الشعوب، مهما طال صبرها، ستنتصر في النهاية. فالتاريخ لا يخلّد الطغاة، بل يخلّد من واجهوهم بشجاعة.


من النيبال إلى المغرب... ومن تنزانيا إلى العالم


حين نقرأ مشاهد ثورة Z زد في تنزانيا، نجد فيها أصداء الماضي والحاضر معاً. هي ليست حدثاً محلياً، بل جزء من ملحمةٍ إنسانية أوسع، عنوانها: صراع الشعوب ضد الفساد.

في النيبال، كانت الجبال تصدح بصوت المظلومين، وفي المغرب كانت الشوارع تغلي بالغضب الشعبي، وفي تنزانيا اليوم يتجدد المشهد ذاته، وكأن البشرية تعيد الدرس نفسه مراراً حتى تتعلمه.


إن الفساد لا دين له ولا وطن، لكنه دائماً ما يترك وراءه الخراب: خراب الاقتصاد، وخراب القيم، وخراب الثقة بين المواطن والدولة. وكلما حاولت الأنظمة تجاهل صوت الشعب، كلما اشتعلت النيران أكثر.

التاريخ يخبرنا أن كل أمةٍ فشلت في محاسبة فاسديها، كتبت بنفسها شهادة انهيارها. أما الأمم التي واجهت الفساد بجرأة، فقد نهضت أقوى مما كانت عليه.


الكرامة قبل الخبز


في جوهر ثورة Z زد، كما في كل الثورات الصادقة، لم يكن الجوع وحده المحرك، بل الكرامة. فالإنسان يستطيع أن يصبر على قلة الطعام، لكنه لا يصبر على إهانة الكرامة. والكرامة حين تُسلب، يصبح استردادها قضية وجود.

لقد أثبتت هذه الثورة أن الشعوب لا تطلب المستحيل؛ هي لا تريد أكثر من عدالة، وشفافية، ومؤسساتٍ تخدم المواطن بدل أن تخدم نفسها. إنهم يريدون وطناً يسمعهم لا وطناً يكممهم، وطناً يُبنى بالعرق لا يُنهب بالصفقات.


نهاية الظلم... بداية النور


قد تتعثر الثورات، وقد تُحاصر أو تُقمع، لكنها لا تموت. لأن الفكرة لا تُقتل، ولأن الحرية حين تُولد في قلب إنسانٍ واحد، سرعان ما تنتقل إلى قلوب الملايين.

ثورة Z زد في تنزانيا ليست النهاية، بل هي بداية وعيٍ جديد في إفريقيا، وفي العالم كله. بداية لمرحلةٍ تقول بوضوح: كفى فساداً، كفى استغلالاً، كفى صمتاً.


إنها ليست فقط ثورة الجياع، بل ثورة الكرامة الإنسانية، ثورة ضد كل ما يهين الإنسان ويجعله رقماً في معادلة الربح والسلطة.

وفي النهاية، تبقى الحقيقة الخالدة:


"يمكنك أن تقمع شعباً يوماً، لكنك لا تستطيع أن تمنع فجر الحرية من الشروق."