آخر تحديث :الخميس-27 نوفمبر 2025-06:10م

عن الاستقلال: رسالة جندي بريطاني (1–3)

الثلاثاء - 25 نوفمبر 2025 - الساعة 11:40 ص
د. خالد عبدالكريم

بقلم: د. خالد عبدالكريم
- ارشيف الكاتب


عن الاستقلال:

رسالة جندي بريطاني (1–3)


د. خالد عبد الكريم


يأتي هذا المقال ضمن سلسلة من ثلاث مقالات تستعرض جوانب قلما تناولتها الكتابات المحلية عن سنوات ما قبل جلاء بريطانيا من عدن، من خلال السرديات البريطانية التي تضمنتها رسائل الجنود، وتقارير الضباط، وشهادات بعض الكتاب الذين عايشوا تلك المرحلة.


نادراً ما نجد من يهتم بكتابات الجنود والضباط البريطانيين والخبراء العسكريين الذين خدموا في عدن خلال سنوات ما قبل الجلاء، رغم أن تلك الكتابات تكشف الكثير عن مشاعر القلق والخوف التي عاشها الجنود وهم يواجهون خصماً لا يرونه بوضوح، في ظل الهجمات المتكررة والعبوات الناسفة.


في عام 2023 صدر كتاب بعنوان “تمرد عدن – قصة جندي جنوب اليمن 1967” من تأليف نيكولاس بيرد. يقع الكتاب في 198 صفحة موزعة على ثمانية فصول، ويقدم رؤية غير مألوفة لحياة الجنود البريطانيين في عدن من منظور جندي عاش تفاصيلها اليومية.


يعرّف المؤلف بمسار حياته في عدن الستينيات، ويغوص في وصف مشاعر الترقب والقلق التي سادت بين زملائه من صغار الضباط والجنود، إلى جانب ملاحظات دقيقة عن تفاصيل الحياة اليومية آنذاك. كما يتضمن الكتاب توضيحاً شاملاً لطبيعة عمل قوافل الإمداد المتجهة إلى قواعد العمليات الأمامية ونقاط الدوريات في المناطق الداخلية.


ورغم أن المؤلف كان يعمل في مجال الإمداد والتموين وهو دور حيوي لكنه غالباً غير مرئي، فإنه وجد نفسه في “منطقة الموت” في جنوب الجزيرة العربية خلال مرحلة الكفاح المسلح التي عجلت بخروج القوات البريطانية من عدن. ويعتمد الكتاب في جوهره على رسائل معاصرة كتبها المؤلف لوالديه، إلى جانب صور التقطها بنفسه، مما يمنحه قيمة توثيقية واضحة.


يشير بيرد إلى أن انتشار القوات في مناطق واسعة ووعرة مثل اليمن يتطلب إمدادات كبيرة، وأن استهداف خطوط الإمداد كان وسيلة فعالة لإضعاف القوات البريطانية، إذ إن العاملين في هذا المجال أقل قدرة على الدفاع عن أنفسهم. كما أن طرق الإمداد المحدودة كانت تجعل زرع الألغام أو العبوات الناسفة مهمة أسهل، بينما ساهمت عادة توقف القوافل ليلاً في نقاط ثابتة لا تتغير في زيادة الخسائر، كون مواقع التوقف أصبحت متوقعة ومرصودة.


وبالرغم من الاحتياطات التي اتخذتها القوات البريطانية، من وحدات مراقبة أرضية وجوية ومركبات مدرعة أقوى، إلا أن كل ذلك لم يكن كافياً أمام عبوة واحدة مزروعة في الطريق الوحيد الذي تمر عبره القافلة.


وفي عدن تحديداً، لم تستطع بريطانيا استخدام أسلوب “الاختراق بالمال” الذي لجأت إليه في مستعمرات أخرى، أي دفع مبالغ للثوار مقابل عدم مهاجمة القوات. ويبدو أن صعوبة تطبيق ذلك في جنوب اليمن تعود إلى رسوخ القيم الثورية لدى الفصائل المناضلة، رغم أن هذه الأساليب استخدمت في باكستان وأفغانستان بحسب مصادر بريطانية.