منذ عقود، يدفع شعب الجنوب ثمناً باهظاً لسلسلة طويلة من السياسات الفاشلة والقرارات العبثية التي أنتجت واقعاً مأساوياً في كل شبر من أرضه. ليس الأمر “خلافاً سياسياً” عابراً أو “تبايناً في وجهات النظر” كما يحاول البعض تسويقه… بل هو تاريخ موثّق من الظلم والتهميش والاستحواذ والإقصاء، بدأ منذ حرب 1994 حين جُمّدت مؤسسات الدولة الجنوبية، وصودرت الممتلكات، وأقصي الكوادر، وتم فرض واقع عسكري بالقوة على شعبٍ كان يمتلك دولة مستقلة معترفاً بها.
حقيقة الصراع: الجنوب يريد حقه… لا شراكة شكلية
الشعب الجنوبي اليوم لا يطالب بالمستحيل، ولا يطلب أكثر مما كان له قبل الوحدة…
هو يريد استقلاله، دولته، قراره، سيادته.
يريد عودة كيانه الذي هُدم بالحرب، لا “شراكة يمنية” عبر اتفاقيات أثبتت التجربة أنها لا تساوي الحبر الذي كُتبت به.
اتفاقية الرياض؟
قيل إنها ستنهي الأزمة، وستعيد الرواتب، وستتوحد الجهود، وستبنى المؤسسات…
لكن ماذا حدث؟
تمخّض جبل ردفان فولد ذبابة هزيلة، لا تقدّم ولا إصلاح ولا شيء على الأرض.
والوثائق الرسمية وتقارير الأمم المتحدة منذ 2015 وحتى اليوم تؤكد أن الحكومات المتعاقبة فشلت في دفع الرواتب، وفشلت في تقديم الخدمات، وفشلت في بناء المؤسسات، بل إن نسبة الفساد – بحسب تقارير دولية – بلغت مستويات “كارثية وغير مسبوقة”.
شعب بلا رواتب… بلا خدمات… بلا دولة
كل يوم يمر فوق الجنوب هو شهادة جديدة على عجز الدولة اليمنية بمؤسساتها المتناحرة:
لا رواتب لموظفي الدولة والجيش والأمن منذ أشهر وسنوات.
لا كهرباء، بل أسوأ شبكة طاقة في الشرق الأوسط.
لا مياه صالحة للشرب في أغلب المحافظات.
لا تعليم محترم… مدارس بلا معلمين، بلا ميزانيات، بلا كتب.
لا صحة… مستشفيات متهالكة، مرضى يموتون لعدم وجود دواء.
لا أمن… انفلات وصراعات وميليشيات وتدخلات.
لا اقتصاد… انهيار عملة، أسعار نار، جوع وفقر حتى العظم.
هذه ليست “وجهات نظر”…
هذه وقائع موثّقة في تقارير البنك الدولي، الأمم المتحدة، منظمات الشفافية الدولية، وبيانات الحكومات نفسها.
الجنوب يتحمل المعركة… ويتلقى العقاب
منذ 2015، كانت القوات الجنوبية في الصفوف الأولى للحرب، وقدمت آلاف الشهداء لحماية أرضها ودول التحالف وممرات التجارة الدولية.
ومع ذلك:
لم تُصرف مرتباتهم بانتظام
لم تُبنَ لهم مؤسسات
لم يحصلوا على حقوقهم
ولم يُعترف بإرادتهم السياسية
بل كلما طالب الجنوبيون بحقوقهم، قيل لهم: “الوقت غير مناسب… انتظروا… سننظر… سنناقش… سنشكل لجنة…”
لجان لا تنتهي… وحياة الناس تنتهي.
لماذا يطالب الجنوب بالاستقلال؟
لأن الواقع لا يترك خياراً آخر.
كيف تطلب من شعب أن يقبل شراكة لا توفر له حتى “كهرباء أربع ساعات”؟
كيف يُقنع طفل جنوبي، يدرس في فصل بلا باب ولا مقعد، أن الوحدة جلبت له الخير؟
كيف يقتنع موظف لم يستلم راتبه منذ عام، أن المشكلة “مؤقتة”؟
الشعب لا يطلب المستحيل…
فقط يطلب الحياة.
والحياة لا تأتي إلا عبر دولة جنوبية مستقلة تدير مواردها بنفسها، تبني مؤسساتها بنفسها، وتُحاسَب في عاصمتها عدن لا في غرف مغلقة بالرياض أو صنعاء.
الجنوب اليوم: وعي جديد… وإرادة لا تنكسر
رغم الجوع، رغم انقطاع الرواتب، رغم الألم…
إلا أن الجنوب اليوم أكثر وعياً وقوة من أي وقت مضى.
جيل جديد يقرأ التاريخ جيداً، ويدرك أن الحقوق لا تُمنح… بل تُنتزع بالصمود والإرادة والعمل السياسي المنظم.
شعب الجنوب لم يعد ذلك الشعب الذي يخدعونه ببيانات مطاطة أو وعود كاذبة.
أصبح شعباً يعرف ما يريد: الاستقلال.
ويعرف ما لا يريد: الشراكة اليمنية الفاشلة.
الخلاصة:
الجنوب لم يعد يطلب، بل يقرّر.
لم يعد يناشد، بل يعلن.
لم يعد ينتظر، بل يتقدم.
شعب الجنوب يريد دولته… وهذا حقه الطبيعي والتاريخي والقانوني.
وكل الوثائق والوقائع تؤكد أن ما يتعرض له الجنوب اليوم هو ظلم لا يمكن استمراره…
وأن الخلاص الحقيقي لن يكون إلا باستعادة الدولة الجنوبية كاملة السيادة.