آخر تحديث :الإثنين-15 ديسمبر 2025-05:18م

أخشى على حضرموت.. من التحرير إلى التدوير

السبت - 06 ديسمبر 2025 - الساعة 07:19 ص
صلاح البندق

بقلم: صلاح البندق
- ارشيف الكاتب


فالتضحيات العظيمة التي تُقدَّم اليوم في ميادين التحرير—دماءٌ سالت، وجراحٌ ما زالت تنزف، ورجالٌ يحملون أرواحهم على أكفّهم—قد تذهب هباءً إن تحوّل مشهد النصر إلى مجرّد “ تدوير ” للمشهد السياسي، بدلاً من

“ تحرير ” حقيقي يضع الأمور

في نصابها.


فالتحرير قيمة، أمّا التدوير فهو مجرّد تبديل وجوه في لعبة قديمة لم تغيّر شيئاً من قبل ولن تغيّر

شيئاً بعد.


أخشى أن نرى من جديد ذاك المشهد الذي تلخّصه الحكمة الشعبية :

بعيرٌ يعصر.. وبعيرٌ يأكل العُصار.

يُقاتل الرجال، ويُقدّم الشرفاء

أثمن ما يملكون،

ثم يظهر آخرون—لم يحملوا كلفة الحرب ولا حرّها—لاقتسام المكاسب وكأنهم صُنّاعُ المجد.


هذه ليست خشية على حضرموت وحدها، بل على الجنوب كلّه ؛

على حقّ الناس في أن يروا

ثمار تضحياتهم،

وعلى عدالةٍ يجب أن تُبنى بعرق المخلصين لا بصفقات الطارئين.


ولأن حضرموت كانت دائماً ميزان العقل ورأس الحكمة في الجنوب، فإن الخطأ فيها لا يصيبها وحدها، بل يمتدّ أثره على كامل المشهد. فلا معنى لنصرٍ تُبدَّد نتائجه في دهاليز السياسة، ولا لقضيةٍ تتحوّل إلى غنيمة تُقسَّم على الطاولات بدل أن تُرفع بها الأوطان.


إن ما نخشاه هو تكرار التاريخ بإخراجٍ جديد :

حروب يخوضها الشرفاء..

ومقاعد يعتليها من لا يعرفون وزن الرصاصة التي ثبّتت هذا المقعد.

إنها معادلة ظالمة عاشها الناس طويلاً، ولا يليق بحضرموت أن تكون حلقة جديدة في هذا المسلسل البائس.


إن أخطر مرحلة بعد النصر

ليست المعركة..

بل ما بعد المعركة :

هل نكتب تاريخاً جديداً

يليق بالتضحيات؟

أم نعيد تدوير نفس التاريخ الباهت الذي جرّبناه طويلاً ولم

نحصِد منه إلا الخيبة؟


الرجال يقاتلون، نعم..

لكنّ الشعوب لا تعيش على القتال،

بل على دولة عادلة، ومشروع واضح، وحقوق لا تُداس، وتضحيات لا تُسرق حين يهدأ دخان البنادق.


ومن هنا يأتي الاختبار الحقيقي :

هل نستطيع حماية ثمار النصر؟

هل نستطيع أن نقول إن ما بُني بدماء الرجال لا يُباع بثمنٍ بخس على موائد السياسة؟

وهل نستطيع أن نجعل حضرموت عنواناً للإنصاف لا ساحة لتكرار الأخطاء؟


ذلك ما سيكشفه الزمن..

وما يجب أن نحرسه بوعيٍ لا يقلّ قيمة عن التضحيات التي صنعت هذا اللحظة.