ليست البيانات التي تصدر من قلب المناطق المنكوبة مجرد حبرٍ على ورق؛ إنها صرخة مجتمعٍ يعيش في قلب النار، ويعرف خارطة الحرب بملمس الدم ورائحة البارود، لا بمونتاج فيديو ولا بروح الاحتفالات الزائفة.
وقد جاء بيان أهالي مكيراس – أبين ليكسر موجة التضليل التي رافقت مقطع الفيديو المتداول عن “ تحرير مكيراس ”، ذلك الفيديو الذي رسم انتصاراً وهميّاً لا وجود له على الأرض، وكأن المعركة يمكن اختصارها في دقيقة مصوّرة، أو كأنّ الطريق إلى التحرير يمرّ عبر الكاميرا لا عبر الجبهات.
التحرير لا يُصنع بزاوية تصوير
أهالي مكيراس لم يثوروا غضباً اعتباطاً؛ فهم يعرفون قدر المعاناة التي يعيشونها يوماً بيوم، ويعرفون أنّ
“ الانتصارات الورقية ” أخطر من الهزائم، لأنها تخدّر الوعي وتغطي الحقيقة تحت طبقات من الزيف.
وهم يدركون قبل غيرهم أن مكيراس لن تتحرر ما دام شريان الإمداد إلى الحوثيين مفتوحاً عبر ذي ناعم؛ فكل من يعرف طبيعة الأرض يعي أن المعركة ليست نقطة واحدة، بل خطّاً كاملاً لا يمكن كسره إلا بفصل الإمداد عن الجبهة.
إنّ الحديث عن تحرير مكيراس دون تحرير ذي ناعم يشبه الحديث عن إطفاء النار بينما لا يزال باب المشتعل مفتوحاً على مصراعيه.
الناس لا يريدون بطولات صوتية.. بل وقائع على الأرض
البيان لم يكن سياسيّاً بقدر ما كان واقعيّاً. هؤلاء الناس لا يطلبون مجداً إعلاميّاً ولا يبحثون عن ضوء؛ إنهم يطالبون بأبسط حق: الحقيقة.
فقد تعب الناس من الضخ الإعلامي الذي يحاول صناعة نصرٍ من عدم، وتعبوا من الحسابات الضيقة التي تزيّن المشهد لأغراض دعائية بينما الواقع يقول :
لا تحرير بلا استراتيجية، ولا نصر بلا قطع الإمداد، ولا مكيراس بلا ذي ناعم.
التضليل في زمن الحرب خيانة مزدوجة
حين تقول الكاميرا إن المنطقة تحررت بينما ما زالت العائلات تحت الخوف والقذائف، فإنّ التضليل يصبح جريمة بحق الضحايا لا مجرد خطأ إعلامي.
وحين يُستخدم الألم كخلفية لمقطع دعائي، فإن الثقة تُنسف، وتصبح المعركة أصعب، لأن الحرب لا تُخاض بالرصاص وحده، بل بالمصداقية أيضاً.
*ختاماً..*
مكيراس ليست مشهداً يُعاد تداوله على منصات التواصل، ولا بطولة مؤقتة تُقطّع وتُمنتج.
مكيراس وجعٌ حيّ، وصمودٌ صامت، ومعركةٌ لا تُختصر إلا بتحرير خطوطها الحقيقية.
وأهاليها قالوا كلمتهم:
لن نصدّق انتصاراً لا نراه، ولن نحتفل بنصرٍ لم يحدث، ولن تتحرر مكيراس حتى تُقطع شرايين الإمداد عبر ذي ناعم.. وما عدا ذلك مجرد ضجيج.