إن السنوات التي مرت بنا كانت سقوطًا مرًا للشرعية، تلك الشرعية المتهاوية التي سقطت في مستنقع التبعية المطلقة، لتدخلنا في نفق مظلم. نحن اليوم نتأمل أن نرى نور النجاة، لكن الأقدار تتلاشى ونحن نرى الرفاق ماضين في طرق الانتقام، لتزداد ظلمة النفق علينا.
إن الأقدار هي التي ساقت إلينا تلك الطغمة التي تقودنا دون تبصر، ونحن على مشارف النجاة، ليعدينا الزمن إلى مربع التصفيات والحسابات الخاطئة. ليس لشيء، لكن لأن من يزعم بأن الحرية هي النجاة لنا، مع الأسف الشديد، لا يمتلك حريته حتى يُعطينا الحرية التي يتوق إليها الشعب.
إن الحسابات المبنية على الأحقاد لا تبني الأوطان. فالوطن كرامة ومساواة وحقوق ونظام وقانون يطبق على الجميع.
لقد دفعت أبين ضريبة الوفاء، وكانت وما زالت حريصة على عدم الانزلاق في صراع جنوبي-جنوبي، مضحية بفلذات أكبادها في سبيل رفعة الوطن ونصره.
إن دماء الشهداء ليست مجرد أرقام تُضاف إلى سجل الضحايا، بل هي عهود وأمانة في أعناقنا تصان بها كرامة الشعوب لا إذلالها.
لقد حان الوقت للخروج من دائرة الغموض والتبريرات المقتضبة إلى فضاء الشفافية المطلقة. الوطن لا يُبنى إلا على الوضوح والثقة بين القيادة والشعب.
ولكي لا نُظلم الانتقالي، يجب الإقرار بأن الأحداث التي تجري على الأرض ليست نتائج عباقرة بل تراكم لأفعال يومية خاطئة، وهو ما جعل أبين ورجالها وقودًا لصراعات داخلية، هدفها في ظاهرها استعادة الدولة وباطنها إخراج أبين من الساحة السياسية.
قال الفيلسوف الروسي تولستوى: "إذا شعرت بالألم فأنت حي، لكن إذا شعرت بألم الآخرين فأنت إنسان". فهل سيجد شعب الجنوب الإنسان الذي يشعر بألمه؟ إن أبين تنتظر من الانتقالي الإعلان عن البيان رقم واحد لاستقلال الجنوب، لتتدارك خطيئتها إن كانت مخطئة في حساباتها السياسية.
دون ذلك، سيبقى الجنوب مسرحًا للصراع بين الطغمة والزمرة، وستبقى تضحيات أبين رمزًا يقتدى به في سجلات التاريخ.
هذه هي أبين الأبية لمن لا يعرف أبين.
حسين البهام