بعد عام 1994م حدث اختلال في المعادلة الوطنية، أسس لحكم قائم على أسس غير وطنية ولا وحدوية ولا ديمقراطية ولا جمهورية، حكم انقلب على دستور الوحدة الذي صوت عليه الشعب والذي رسم ملامح الدولة الوطنية الموحدة التي يريدها اليمنيون عموما.
استندت السلطة بعد الحرب إلى عصبيات قبلية وجهوية، ومارست عنصرية شطرية ومناطقية (وسلالية في فترة حروب صعدة)، وتلاعبت بالمكوّنات الثقافية: دعمت الوهابية ضد الزيدية والصوفية، ودعمت السلفية التي تحرّم العمل السياسي ضد الإخوان، ودعمت الاخوان ضد اليسار والليبراليين والقوميين تكفيرا وارهابا، كما ناورت بتنظيم القاعدة لابتزاز العالم.
فأصبحت معارضة النظام وحكم الأسر الجمهورية، معارضة تقوم على العصبيات المضادّة: عِرقية، شطرية، مذهبية، مناطقية… بل تسربت هذه العصبيات إلى الأحزاب السياسية التي يُفترض أنها تتحدث لغة سياسية لا مناطقية ولا مذهبية، بل عادت افكار تدعم عودة الحكم الملكي الأمامي ما دامت "الجمهورية" تحكمها أسر وعوائل وقبائل!
الجنوب، الذي كان دولة تضمن للمواطن تعليم وصحة واسكان مجاني وحريات اجتماعية وحياة مدنية وحكم قانون، كانت حساسيته عالية تجاه هذا الحكم الاستعلائي والمتخلف، وتجاه النهب والإقصاء؛ ولهذا مدت بعض قوى الحراك الجنوبي يدها إلى الخارج، بل تراجعت عن الهوية اليمنية، وظلت خاصرة البلد الرخوة حتى اليوم.
في العموم تخريب مسار الوحدة فتح البلد أمام هذا الانهيار، ولن يصلح الوضع إلا حل القضية الجنوبية بما يعيد التوازن، ومعها حل بقية القضايا طبعاً، لكن الخلل الأكبر كان في القضية الجنوبية، والتهديد الأخطر اليوم هو الانفصال.
إصلاح مسار الوحدة شعار رفعه الحزب الاشتراكي منذ عام 1994م، ولا مجيب! وكانت الحلول حينها بسيطة بدون كلفة!
لابد من حل القضية الجنوبية حلا يضع البلد أمام مستقبل يليق بكرامة الإنسان وتاريخه الحضاري وموقعه الاستراتيجي ويضمن حماية سيادته الوطنية.