اليمن اليوم لا يواجه مجرد ازمة حكم، بل تحديا وجوديا. ثلاث سلطات تتقاسم النفوذ، وثلاثة مشاريع متعارضة، لا يجمع بينها سوى الجغرافيا. هذا التشظي يهدد جوهر الدولة ويمهد لانزلاق البلاد نحو تقسيم فعلي، حتى لو ظل الخطاب السياسي يتحدث عن الوحدة والدولة الاتحادية.
الحل السياسي الشامل لم يعد خيارا مؤجلا، إنه آخر فرصة قبل أن يتحول التشظي الى واقع دائم. الحل يحتاج الى حد ادنى من وحدة القرار، وتماسك الجغرافيا، واتفاق الأطراف على شكل الدولة، لكن الواقع يشير الى عكس ذلك: فالشرعية تتمسك بالدولة الاتحادية دون قدرة على فرضها. والانتقالي يسعى الى جنوب مستقل او حكم ذاتي واسع الصلاحيات.
بينما جماعة الحوثي تريد فرض مشروع دولة مركزية كهنوتية، صلبة تحت قبضتهم.
هذا التباعد يقوض اي افق للحل السياسي الشامل، بسبب غياب السلطة الموحدة و التباين القانوني والسياسي الذي يجعل اي اتفاق بلا قدرة تنفيذية، وكذلك انعدام الثقة التي تمنع تشكيل حكومة جامعة، بالاضافة الى تبعية الاطراف المتصارعة للخارج مما يمنح كل طرف غطاء يحمي نفوذه.
الموقف السعودي اليوم هو العامل المهم و الاكثر حساسية في صياغة مستقبل اليمن، خاصة وأن تدير الأزمة اليمنية من منطلق ادارة التوازنات السياسية وهذا التحول يفسر الكثير مما يجري في الجنوب والشرق والشمال. إنها تتحرك بحذر، متجنبة اي تدخل مباشر، منتظرة لحظة توازن تسمح بتسوية بأقل الخسائر. بينما الموقف الأوروبي والرباعية الدولية يعد ثابتا في دعم الشرعية ووحدة اليمن ورفض الاعتراف الكامل بجماعة الحوثي، لكن من الممكن تغير هذا الموقف الى القبول بالأمر الواقع كخيار مطروح إذا استمر وتوسع الانقسام.
المبعوث الأممي مايزال يؤدي دورا مساعدا لإدارة الأزمة والحفاظ على الشكل السياسي للدولة، لكنه غير قادر على صناعة الحل. فالقرار الفعلي هو بيد القوى الأكثر تأثيرا على الاطراف المتصارعة: السعودية، الإمارات، الحوثيون، والاطراف المتصارعة نفسها.
ان الحل السياسي الشامل ممكن نظريا، لكنه مهدد عمليا وذلك لان الطريق الى التسوية اليوم يمر عبر تفاهمات جغرافية، وليس مشروعا وطنيا واحدا، ومن اجل إنقاذ المسار يحتاج لإرادة دولية، وشرعية موحدة تمتلك ادوات فعلية، ومشروعا وطنيا يعترف بالتعدد دون السماح بانهيار الدولة.
اليمن اليوم يقف عند مفترق مصيري: اما استعادة مركز سياسي جامع قادر على فرض الدولة بقرار موحد، او الانزلاق الى استمرار التشظي والتقسيم حتى يصبح واقعا دائما لا يمكن العودة عنه، بل ويصبح من الصعوبة بمكان، إعادته الى ما قبل 1990م.