في زمن تتزاحم فيه الكلمات وتتنافس فيه الأصوات، تبقى الكتابة ملاذًا أخيرًا للقلوب المثقلة بالحزن، ومرآةً صادقةً تعكس ما يعتمل في دواخلنا من مشاعر مكبوتة.
هي ليست مجرد حروف تُسطر على ورق، بل أنينٌ مكتوم، وحنينٌ لا يُروى، وصرخةٌ في وجه الصمت.
"نكتب ونكتب والآخرون يقرأون..."
فمن يقرأ قد يجد نفسه في كل سطر، وقد يبتسم أو يبكي أو يسخر، لكن الكاتب وحده يعرف كم من الروح نزف ليكتب، وكم من الدمع انسكب ليصوغ جملة واحدة..فالكتابة تتلون بألوان الألم اوالفرح، وتتنفس من رئة الشعور.
غير أن الكتابة، مهما بلغت من صدق، لا تملك أن تداوي جراح الفقد.
فحين يخطف الموت الأحبة، لا يبقى سوى الذهول، ولا يُجدي الحرف نفعًا أمام صمت الغياب.
"فقدت أولادي ثم لحقت بهم أمهم..."، جملة تختصر مأساة لا تُحتمل، وتفتح أبوابًا من الأسى لا تُغلق.
في حضرة الفقد، تتغير ملامح الحياة. فيصبح كل شيء مشوبًا بالقلق، حتى الفرح يبدو غريبًا، والطمأنينة مشروطة.
اتساءل بمرارة: "كيف لي أن أعيش بعدهم حياةً مطمئنة؟" سؤال لا يبحث عن إجابة، بل عن عزاء، عن يدٍ تربت على القلب، أو عن سطرٍ يُكتب ليخفف الوطأة.
الإيمان بالقضاء والقدر لا يُلغي الألم، ولا يُطفئ نار الحنين.
نحن بشر لنا مشاعر واحاسيس ، نُصاب وننزف ونحزن، ونكتب.
نكتب لأن الكتابة أحيانًا هي الوسيلة الوحيدة لنقول ما لا يُقال، ولنُبقي على من رحلوا أحياء في ذاكرتنا، نُخلدهم في سطورنا، ونُهديهم نبض قلوبنا.
الكتابة ليست خلاصًا، لكنها رفيق درب في رحلة الحياة.
هي محاولة لفهم ما لا يُفهم، ولملمة ما تبعثر من أرواحنا. وفي النهاية، تبقى الكلمات شاهدة على الحب، وعلى الفقد ، وعلى الإنسان حين تقسو عليه الاقدار.
آآآهـ. ما اقسى فراق الأحبة.