في صباحٍ أغر، ومن قلب "أبين" الأبية التي كانت وما زالت خزان الرجال ومعمل القادة، ومن بين ذرات ترابها الذي جُبل بوفاء أهلها، أطلَّ علينا فخامة الرئيس القائد عيدروس قاسم الزُبيدي، رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، نائب رئيس مجلس القيادة الرئاسي. لم تكن زيارته مجرد بروتوكولٍ عابر أو جولة استطلاعية سُجلت في الأجندة الرئاسية، بل كانت صرخة ميلادٍ جديد لمحافظةٍ ظلّت لسنواتٍ طوال ترزح تحت وطأة التهميش المتعمد، وتكابد الحرمان من أبسط مقومات المشاريع التنموية، ليعلن من قلبها أن زمن النسيان قد ولى بلا رجعة.
عناق القائد والشعب: طوفان الوفاء في دلتا الخير
حينما وطأت أقدام "أبو القاسم" تراب أبين، لم تكن الأرض وحدها هي من استبشرت، بل كانت القلوب هي التي خفقت قبل الأكفّ. لقد رأينا اليوم ملحمةً جنوبية بليغة الأثر، حيث خرجت أبين عن بكرة أبيها في استفتاءٍ شعبي لا يحتاج إلى صناديق اقتراع؛ خروج الآلاف من الآباء والأمهات، والشيوخ والأعيان، لم يكن إلا رداً جميلاً لقائدٍ ملك قلوبهم بصدقه وإخلاصه.
وعلى جنبات الطريق، ارتسمت لوحة الفخر بصور القائد وأعلام الجنوب، وتعالت هتافات الشباب والطلاب الذين يجدون في الزُبيدي ملهماً ورمزاً لغدٍ مشرق. أما زغاريد النساء التي انطلقت من الشرفات ومن بين الصفوف، فقد كانت سيمفونية فرحٍ أصلية، ترحيباً بالرجل الذي أحبه الله فحبب فيه خلقه. لقد كان مشهداً إنسانياً مهيباً يترجم حجم الحاضنة الشعبية التي تلتف حول القائد، مؤكدةً أن أبين هي الصخرة التي تتكسر عليها كل الرهانات الخاسرة.
كسر قيد التهميش: شمس أبين تشرق بمداد إماراتي
لسنواتٍ خلت، ظُلمت أبين عمداً، وضاعت استحقاقاتها في دهاليز المناكفات السياسية، وبقيت المحافظة تدفع ثمن صمودها تهميشاً في الخدمات والبنية التحتية حتى كادت أن تذبل ملامح "أبين الحضارة". ولكن اليوم، وبفضل الله أولاً، ثم باهتمام ورعاية "أبو القاسم"، تدور عجلة التنمية التي صُدئت بفعل الإهمال.
بخطىً واثقة ويقينٍ بالبناء، وضع الرئيس الزُبيدي حجر الأساس لمشروع محطة الطاقة الشمسية بقدرة 30 ميجاوات، في تظاهرة تنموية كبرى حضرها محافظ المحافظة اللواء الركن أبوبكر حسين سالم، ومعالي وزير الكهرباء والطاقة المهندس مانع بن يمين، والهيئة التنفيذية لانتقالي المحافظة، ووكلاء المحافظة، ومدراء عموم المديريات والمكاتب التنفيذية. هذا المشروع، الذي جاء بمنحةٍ كريمة وسخية من الأشقاء في دولة الإمارات العربية المتحدة (إمارات الخير)، ليس مجرد توريدات تقنية، بل هو "شريان حياة" سيمد بيوت أبين بالضوء، ومزارعها بالديمومة، ليعلن رسمياً تحول المحافظة من خانة "المهمشة" إلى "المركز" في خارطة النهوض الجنوبي.
سيادة المؤسسات.. الرقابة على العصب المالي
ولأن الدولة لا تُبنى إلا بمداميك المؤسسات القوية، كانت زيارة الرئيس لفرع البنك المركزي في أبين خطوةً سيادية بامتياز. لقد كانت رسالة واضحة لكل العابثين، مفادها أن عين القيادة ترقب الأداء المؤسسي، وتحمي العصب المالي للمحافظة، وتؤمن انسيابية حقوق المواطنين من مرتبات ومدخرات. ناقش الرئيس مع إدارة البنك سبل التطوير والتحديث، مشدداً على أن الانضباط المالي هو الأساس المتين الذي تُبنى عليه الثقة بين المواطن ودولته، مؤكداً أن زمن التسيب الإداري قد انتهى لصالح العمل المؤسسي المنضبط.
الاستثمار في العقول.. رحاب العلم هي البداية
ولم يغفل القائد في غمرة انشغاله بالمشاريع عن "منارة العلم"، فكانت زيارته لجامعة أبين ولقاؤه برئاستها وكوادرها الأكاديمية تجسيداً لرؤيته العميقة في بناء الإنسان. فالعلم هو السلاح الأمضى في معركة استعادة الدولة وبنائها. استمع الرئيس لهموم الأكاديميين وطموحات الطلاب، مؤكداً أن جامعة أبين ستكون حجر الزاوية في نهضة المحافظة العلمية والبحثية، ومتعهداً بتذليل كل العقبات لتظل المحافظة منبعاً للكفاءات ومصنعاً للعقول التي ستقود قاطرة المستقبل.
أبين.. بوصلة الرهان وكسب التحدي
إن هذه الزيارة التاريخية بكل ما حملته من أبعاد سياسية وتنموية، تؤكد أن أبين لم تعد تلك المحافظة المنسية خلف قضبان التهميش، بل أصبحت اليوم بوصلة البناء وميدان الإنجاز. لقد أثبت الرئيس عيدروس الزُبيدي، وبدعمٍ صادق وأخوي من صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد، أن الوفاء لا يُباع ولا يُشترى، بل يُصان بالمواقف الصلبة والعمل الدؤوب.
فشكراً للقائد الذي صدق الوعد وأوفى بالعهد، وشكراً لأبناء أبين الذين رسموا بهتافاتهم وزغاريدهم أجمل صور التلاحم والوفاء. إن عجلة التنمية قد انطلقت، وشمس أبين التي أشرقت اليوم لن تغيب بإذن الله، طالما وهناك قيادة تضع مصلحة الشعب في "سواد العين" وفي سويداء القلب.
