آخر تحديث :الخميس-26 يونيو 2025-07:16ص
ملفات وتحقيقات

تقرير: تفاصيل الزيارة التاريخية للملكة الراحلة إليزابيث إلى عدن

السبت - 10 سبتمبر 2022 - 10:09 ص بتوقيت عدن
تقرير: تفاصيل الزيارة التاريخية للملكة الراحلة إليزابيث إلى عدن
(عدن الغد) متابعات:

تقرير يتناول الزيارة التاريخية لملكة بريطانيا الراحلة إليزابيث التي عاينت من عدن غروب شمس الإمبراطورية..

شهدت فترة الوجود البريطاني في عدن والجنوب اليمني محطات بارزة لعل أهمها الزيارة التاريخية التي قامت بها الملكة إليزابيث الثانية في 27 أبريل 1954 إلى مدينة عدن، حاضرة المستعمرات البريطانية في المنطقة حينها.

وخصصت الملكة للمدينة 24 ساعة، بعدما قطعت للوصول إليها عشرات آلاف الأميال من "مدينة الضباب" إلى "ثغر اليمن الباسم" برفقة زوجها (الأمير) فيليب، دوق أدنبرة في حينها.

واستحقت عدن كل هذا العناء في حينها، فقد كانت وفقاً للمؤرخين من أكثر المدن تطوراً فضلاً عن موقعها الجيوسياسي الذي دفع الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس إلى بذل 128 عاماً من الوجود على الرغم من المقاومة التي تطورت في 14 أكتوبر 1963 إلى ثورة انتهت بخروج التاج الملكي في نوفمبر 1967.

> محطة لا تنسى

وفقًا للباحث في الشأن البريطاني المرتبط باليمن بلال غلام فإنَّ المجتمع العدني يتذكر زيارة الملكة الراحلة التي جاءت في إطار زياراتها لدول الكومنولث حينها بشيء من التفصيل حول الزيارة التاريخية إلى المدينة.

يقول غلام "وصلت الملكة إليزابيث في السابعة من صباح 27 أبريل 1954، بعدما رسا اليخت الملكي سبرايس في ميناء المدينة بالتزامن مع مرور السرب الثامن للطيران الملكي البريطاني وسط استقبال من حاكم مستعمرة عدن ومسؤولي المحميات وسلاطين وأمراء السلطنات والمشيخات".

وكانت عدن على أهبة الاستعداد لاستقبال الملكة التي توجهت في التاسعة والنصف إلى حديقة الهلال، ومن على سيارتها الـ"لاندروفر" استعرضت وزوجها حرس الشرف المكون من القوات الجوية وقوة محمية عدن والشرطة والحرس الحضرمي والبدوي والصومالي.

> استقبال الوفود

اصطف جنود الحرس الملكي على طول رصيف الميناء يلقون التحية العسكرية للملكة البريطانية الشابة التي كان عمرها آنذاك لا يتجاوز الثلاثين، وبدأت باستقبال عدد من قيادات ورموز عدن وقتها الذين قدموا لاستقبالها والترحيب بها، بعد أن تم استقبالها بأكاليل من الزهور المقدمة من طالبات مدارس عدن.

وكانت مديرية التواهي حينها، تبدو كقطعة مصغرة من بريطانيا، حيث كان مجسم ساعة ليتل بيج بن يقع في أعلى الجبل المطل على الميناء، وعلى امتداد نظر الزوار والقادمين إلى المدينة، بالإضافة إلى نصب ومجسمات عديدة منتشرة في المديرية شيدها الاستعمار البريطاني لرموزه، ومنها مجسم حجري للملكة فيكتوريا، ورصيف السواح، وفنادق وبنايات أخرى مبنية على الطراز المعماري البريطاني القديم، ومنها فندق كريسنت الهلال، وفندق روك الصخرة، وأخرى عديدة ما زال معظمها قائمًا حتى اليوم، فيما أخرى طالها العبث والإهمال.

ويوضح غلام أن الملكة غادرت العرض وسط ترحيب الأهالي الذين اصطفوا على جانبي الطريق من الميناء إلى منزل حاكم عدن توم هيكنبوثم الذي أقامت فيه بقية النهار وخصصته لحضور مأدبة الغداء بمشاركة سلاطين وأمراء عدن ويافع وممثلين عن محمية ومستعمرة عدن.

> في المعلا وكريتر

بعد الظهيرة استقلت الملكة سيارتها برفقة حاكم عدن في رحلة خصصت لمدينتي المعلا وكريتر، وحضرت عصر ذلك اليوم فعالية في ملعب المدرج البلدي (حالياً ملعب الشهيد الحبيشي) الذي شهد حضور آلاف الطلاب من مدارس عدن قدموا لتحيتها ثم زارت مستشفى الشعب في منطقة القطيع.

وفي المساء، توجه الموكب الملكي إلى مدينة خورمكسر في زيارة لوحدة الطيران الملكي، ثم افتتحت "مستشفى الملكة إليزابيث" الذي يحتوي على سكن للأطباء والممرضين العرب والبريطانيين، وكان المستشفى مجهزًا بتكييف هواء مركزي في المرة الأولى التي تستخدم فيها هذه التقنية العالية بالمنطقة، وأجمل ما في هذا المستشفى التاريخي موقعه أمام ساحل أبين.

المستشفى الذي عد الأضخم حينها، تحول اسمه بعد الاستقلال الوطني إلى مستشفى الجمهورية، ولا يزال يقدم خدماته حتى اللحظة.

> حتى الصباح

وأضاف الباحث غلام أن برنامج الزيارة الملكية امتد حتى ساعات الصباح من خلال فعاليات عدة رتبت لها حكومة عدن لمناسبة هذه الزيارة التاريخية.

وجاءت الملكة بعد أن تولت عرش الإمبراطورية البريطانية في أولى زيارتها إلى المستعمرات واختتمتها بإطلاق الألعاب النارية في سماء المدينة ابتهاجاً بالزيارة التاريخية.

ويشير مؤرخون وباحثون في تاريخ عدن إلى أوراق ومستندات رسمية توضح جدول الزيارات التي قامت بها الملكة إليزابيث في ذلك اليوم، كما تشير تلك المستندات إلى تخصيص جزء من وقت الملكة لاستقبال عدد من رموز ووجاهات عدن.

وعدد المؤرخ بلال غلام بعضا من المواقف والأحداث العدنية التي رافقت زيارة الملكة إليزابيث لعدن، ومنها أنه تم اختيار شاب عدني يدعى محمود محفوظ علي، ليكون السائق الرسمي لقيادة المركبة الخاصة التي أقلت الملكة إليزابيث وزوجها الدوق فيليب خلال زيارتهما للمدينة، بالإضافة إلى وقوع القرعة على طالبة في الصف الرابع الابتدائي وتدعى عائشة عبدالعزيز، لتقوم بتقديم باقة من الورود للملكة.

ووفقا لبلال غلام، تم أيضًا اختيار طالب خطاط في المعهد التجاري يدعى إبراهيم خان ليخط رسالة الترحيب بالملكة، مستخدما المداد الأسود، والتي نالت استحسان مدير دائرة المعارف حينها.

> المغادرة جوًّا

في اليوم التالي، وفي توقيت الوصول ذاته، غادرت الملكة البريطانية جنوب اليمن من مطار عدن ومنه إلى طبرق فلندن.

ويرى غلام أن اختلاف وسيلة النقل هنا جاءت وفقاً لتنسيق أمني، إذ وصلت في اليخت الملكي الذي أحيل إلى التقاعد وغادرت عدن جواً متجهة إلى طبرق ومنها اتجهت في اليخت الملكي الجديد إلى لندن.

وقبيل المغادرة، بعثت الملكة برقية إلى حاكم عدن قالت فيها "أرجو إيصال تحياتي الحارة إلى كافة أبناء عدن وكل القائمين على شؤون المستعمرة على حسن الضيافة والاستقبال الرائع الذي منحونا إياه، وسنكون شاكرين إن بلغتم شكرنا وتقديرنا لكل المنظمين والقائمين الذين جعلوا منها زيارة تاريخية وناجحة".

> لقاء المحجبات

وبحسب الباحث غلام فهناك عدد من المواقف التي تم رصدها على هامش الزيارة.

فعلى سبيل المثال، لم تتمكن سوى 44 امرأة من نساء عدن المحجبات من مقابلة الملكة شخصياً، وتمت المقابلة في حدائق الشيخ عثمان يوم الزيارة.

بحسب ما يردده الأهالي الذين حضروا لرؤية الملكة، فقد دُهشوا وهم يرون الملكة بملابسها العادية بعد أن توقعوا رؤيتها بالتاج التقليدي والسيف والصولجان.

وتواجد بعض أعيان السلطنات في ساحة الهلال المخصص للعرض العسكري قبل وصول الملكة بثلاث ساعات.

يذكر أن أبناء عدن وكل من عايش تلك الحقبة الزمنية، تجدهم يستمتعون بكتابة تلك الذكريات التي يرونها تمثل عصرا ذهبيا بالنسبة لعدن، على الرغم من أنها كانت مستعمرة تابعة لبريطانيا طيلة 129 عاما، ومع ذلك اكتظت منصات التواصل الاجتماعي في اليمن، بخبر وفاة الملكة إليزابيث الثانية بحزن شديد، مرفقا معه صورا تستذكر تلك الزيارة التي كانت الأولى والأخيرة للملكة إلى عدن.

> الذكرى "الجميلة"

وعقب ستين عامًا على وصول موكب صاحبة التاج الملكي إلى عدن، حرصت ملكة المملكة المتحدة على تذكير الشعب اليمني بتلك المناسبة التي وصفتها جميلة.

ففي العام 2014 بعثت الملكة برسالة نشرتها صفحة السفارة البريطانية في صنعاء على موقع "فيسبوك" جاء فيها "في الذكرى الستين لزيارتي لعدن، أبعث أحر تحياتي للشعب اليمني. لدي ذكريات جميلة من زيارتي ويسرني أن العلاقة الوثيقة بين بلدينا لازالت مستمرة. وأود أن أعرب عن أطيب تمنياتي بالسعادة والأمن والازدهار للشعب اليمني خلال هذه الفترة الانتقالية وما بعدها. إليزابيث".

> نهاية الرحلة

تبادلت الملكة اليزابيث خلال الحرب العالمية الرسائل مع ابن عمها الثالث، فيليب، أمير اليونان، الذي كان يخدم في البحرية الملكية، ومن ثم تزوجا في كنيسة وستمنستر في 20 نوفمبر 1947، وحصل الأمير على لقب دوق أدنبرة.

ووصفت إليزابيث زوجها فيليب بعد وفاته بأنه كان "قوتي وبقائي خلال 74 عامًا من الزواج"، وقد توفي في عام 2021، عن عمر يناهز 99 عاما.

وولد ابنهما الأول تشارلز عام 1948 وتلته الأميرة آن، عام 1950، ثم الأمير أندرو، عام 1960، والأمير إدوارد، عام 1964.

وقد أنجبوا جميعا لأبويهم 8 أحفاد، أنجبوا بدورهم 12 نجلا.

وطوى رحيل إليزابيث الثانية ملكة بريطانيا، سجل الملكة التي قادت الامبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس وحكمت أصقاع الأرض وشكلت ملامح العصر الحديث.

وأعلن قصر باكنغهام رسميا مساء أمس الأول الخميس بيان نبأ وفاة الملكة إليزابيت الثانية ملكة بريطانيا عن عمر يناهز 96 عاماً، وبعد 70 عاما من حكم بريطانيا.

وحتى بعد استقلال المستعمرات البريطانية في ستينيات القرن الماضي، والتي كانت تضم عددا كبيرا من الدول العربية والأفريقية والآسيوية، حافظت الملكة إليزابيت على بريطانيا كإمبراطورية لا تغيب عنها الشمس، حيث تضم بريطانيا حاليا كلا من اسكتلندا وإيرلندا وكندا واستراليا ونيوزلندا.

وقال القصر الملكي البريطاني في بيان رسمي: "في سلام، أسلمت الملكة اليزابيت الثانية الروح في بالمورال بعد منتصف اليوم (الخميس)".

وبوفاتها، سيحكم ابنها الأكبر تشارلز، ولي العهد وأمير ويلز السابق، المملكة المتحدة.