كتب: محمّد نجيب الظّراسي
هي جنّتي وواحةُ الحروفِ،
أرضي الخصيبةُ،
وقلاعُ المجدِ الشّاهقةِ،
قنديلُ البحرِ
الذي يلسعني
حين تخطئُ الخطى... خطاها.
هي ذلك الفجرُ الذي لا يشرقُ،
بل ينفجرُ كانشطارٍ عظيم،
يفتحُ لي براعمَ الحقولِ من روعةِ الدّهشةِ
بكلِّ لذّة... وأنا لا أُشبعُ من هولِ ما أرى.
أقفُ مذهولًا أُشاهدُ صباها والحُسنَ
حين تصبحُ مخضوضرةً
وتكتسي حلّةً زاهيةً
وكأنّها معزوفاتٌ لِدندَناتِ الدّانِ في تريم،
تُلخّصُ بأوتارِ العودِ آمالَ كلِّ أمّةٍ
حين تَحنُّ لصباها.
هي أماني العُمرِ التي لا تخيبُ،
بل تُصيبُ،
لا تبالي بالدّهرِ وصروفهِ،
تنهضُ كأنّها يومُ الزّحفِ العظيمِ
لاستعادةِ أُورشليم
التي مِلتُ من تَشدُّقِ الشّعاراتِ الخاويةِ
المشبعةِ بالخيانةِ.
هي لا تكترثُ لأحدٍ،
لأنّها تعلمُ بأنّ وقتَها مُقرّرٌ في سياقِه والحسمُ،
لا شيءَ أمامَ ناظِرَيْها يمرُّ عبثًا هكذا
دون أن تعيَ أو تُدركَ
تعلّمَ متى ستفيقُ وتستفيقُ وتنفجرُ
لتغتسلَ من حيضِها الذي طالت مضرّتُهُ.
ستُعقَمُ بموجةِ بحرٍ حكيمةٍ
تعرفُ الوقتَ المُرتقبَ للقدومِ،
وتُصيبُ الهدفَ بكلِّ دقّةٍ،
تنتزعُ مكمنَ الخللِ،
لكنّها لا تُخبرنا... تخشى علينا
من الأرقِ إذا تداعى علينا،
كخوفِ أمٍّ ترى أطفالَها
يُساقون تسبقهم الدّموعُ للمِقصلةِ.
هي هنا تقفُ وكأنّها عاصفةٌ مخمليّةٌ،
لكنّها تبتسمُ،
وهي تُناظرُ بكلِّ شموخٍ
عقولًا تُمارسُ الجهلَ بكلِّ غباءٍ مُفرِطٍ،
لكنّها صامتةٌ.
سألتُهم وأنا كلّي لهفةٌ وشوقٌ للقاها:
أين هي؟!
أين عدن؟!
لم يُجبني أحدٌ منهم على السّؤالِ،
لأنّهم يدفنون الحقَّ على أن يُقال،
لكنّي أعرفُ الردَّ على سؤالي،
نعم، أعرفُ الخاتمةَ المُنتظرةَ
والتي همستْ لي بها عدنُ سرًّا،
همستْ لي أنا وحدي
ذاتَ ليلةٍ قمريّةٍ لم أرَى مثلَ سحرِها في حياتي،
لا أعلمُ لماذا اختارتني أنا بالذاتِ!
أتريدون أن تعلموا أين هي؟!
إنّها على قمّةٍ صيَّرَهُ،
تنتظرُ سُفنَ المحيطِ المزعومةِ الغبيّةِ
والتي قيلَ عنها زيفًا
بأنّها لا تُغرقُ أبدًا في الأعماقِ.
*يحفظكِ ربّي يا عدن.