كلما نمت الأغصان تمددت متسلقة الجدران وعلى أغصان وجذوع الأشجار المنتشرة في حديقة المنزل حتى تسللت جدران البيوت المجاورة مرسلة عبق عطرها في كل الأماكن القريبة والمحيطة من جذرها الكامن في سور المنزل الذي يسكن فيه الشاب الوسيم جميل السمت والمظهر مع أمه الثرية بعد شراؤهم للمنزل حديثا لاستكمال دراسته الجامعية قادمين من ارياف البلاد.
على غير العادة الحي الراقي الذي يسوده الهدوء إلى حد السكون تعبث الرياح بنوافذ البيوت الراقية حتى ساد ضجيج صدام قطع الخشب المنحوث والواح الألمنيوم وقطع الزجاج وبات الصرير والأزيز هو الموسيقى السائدة في الحي الراقي وتطايرت الستائر لتكشف ما يتوارى خلفها في البيوت والقصور الراقية وتناثرت زهور الياسمين متخطية الأسور والجدران لتدخل من النوافذ المفتوحة وتستفر على أرضيات الرخام في القصور العالية وأن عجزت عن اختراق البيوت وتساقطت قبل وصولها بعثت عبيرها يشنف أنوف الحيارة ويبعث الأمل وربما يرسل رسائل غير متوقعة لمشاعر منسية او مدفونة تحت ركام الماضي
تنهض من على اريكتها في غرفة نومها لتغلق النافذة لتمنع دخول ذرات الغبار وفي طريقها تدنو من بلاط غرفتها تلتقط حبات الياسمين وتلامس كفيها الناعمين رخام الغرفة البارد كبرود حياتها تحاول أن تشتم رائحة زهور الياسمين بانفاس طويلة وهي تقترب من النافذة لتلتقط عينيها الجميلتين صورة مباشرة للشاب الوسيم وهو يتسلق سور بيته الراقي ليوثق اغصان الياسمين حتى لا تتمزق وتتطاير بعيدا وفي لحظة خارج حساباتهما توثق عيناهما لحظة إعجاب سرعان ماتحولت إلى نظرات عشق .
تدفع دفتي النافذة لتغلقهما وقبل أن تغادر يصرخ مناديا:
لحظة من فضلك يا أنسة
دون تفكير تستجيب فهناك شيء خفي يحركها ويدفعها للاستمرار في الحديث وهي تحاول التوضيح:
عذرا أنا أرملة.
يقاطعها في الحديث:
لكنك صغيرة
بحزن وأسى وهي تطاطئ راسها تجيب منكسرة:
زوجوني طفلة صغيرة لعجوز ثري ورث كل ماله وهذا القصر جزء يسير مماتركه ولم يدم الزواج إلا فترة قصيرة كنت فيه فقط ممرضة وخادمة لرجل مريض قبل أن يموت
شاب وسيم ومن اسرة ثرية يتمتع بالحماس يطلب من السيدة الأرملة:
هل تتزوجين بي
تسترد أنفاسها قبل أن تجيب فهي لا تريد أن تتعلق باغصان واهية مثل اغصان الياسمين التي سريعا ما تتمزق وتسقط ثمارها قبل أن تنضج وتتسلق على أغصان غيرها من الأشجار ثم تطلق عبارة:
يسعدني ذلك وقد وقع حبك في نفسي من اول وهلة وكأن الرياح ارسلت لتجمعنا وترسل أزهار الياسمين لتوقظ مشاعري المدفونة لكن اسرتك لن تقبل بي فأنا محسوبة في المتزوجات وأنت شاب وسيم من اسرة ثرية وفي الحسابات أنا لا اليق بمثلك.
رافعا صوته:
ساحاول اقناع أمي
بصوت منخنق:
ستحاول عبثا امك لن ترضى لك إلا شابة لم يسبق لها الزواج اما أنا فزهرة قد لفظها غصنها لتنضج بعيدا عنه حتى يصيبها الذبول ولن يحتويني إلا غصن أوشك أن ينقطع وينفصل عن جذره
من أحد غرف بيته الراقي بأدوره الثلاثة ينطلق صوت أمه منادية عليه:
اين أنت هي أغلق النوافذ وغدا تفحص اغصان الياسمين والغصن الذابل قصه وابعده بعيدا واهتم بالأغصان الشابة الطرية التي سوف تزهر أزهار يانعة فواحة
تنظر إليه الأرملة الشابة وهي تدفعه للانصراف والعودة إلى منزله وإغلاق النوافذ:
غادر المكان وعد واغلق نوافذ المنزل فلا يزهر الغصن الذابل ولا تنمو الأزهار عليه
يتسلل الجدران ويعود ادراجه وهو ينظر إلى نافذة الأرملة الصغيرة وحول نوافذ منزلها زهور الياسمين متناثرة وقد نضجت وتفتحت بعيدا عن اغصانها وبعضها قد أصابها الإصفرار والذبول.
عصام مريسي