رغم مرور أكثر من خمسة عقود على رحيل كل من الرئيسين اليمنيين سالم ربيع علي (سالمين) وإبراهيم الحمدي، لا تزال سيرتهما حاضرة في الذاكرة الجمعية لليمنيين، تثير الشوق والحنين والأسى، وكأن الزمن لم يتحرك منذ اغتيالهما. هذا الحنين لا يأتي من فراغ أو من حالة نوستالجيا عاطفية عابرة، بل هو حنين إلى لحظة وطنية كانت تبدو في وقتها نادرة، إلى مشروعين لم يكتمل نموهما، إلى رجال حملوا رؤى تتجاوز السلالة والمناطقية والولاء الشخصي، ونزلوا إلى الناس وهم يحملون مشاريع بناء حقيقي لا استعراضًا سلطويًا فارغًا.
في حالة سالم ربيع علي، استشعر أبناء الجنوب في فترة حكمه بزوغ نجم زعيم خرج من رحم الفقراء، من حي شعبي في عدن، وارتقى إلى سدة الحكم دون أن يتخلّى عن بساطته أو ارتباطه بالمجتمع. شكّل سالمين في المخيال الجنوبي نموذج القائد الثوري الذي التحم بالناس، حمل همومهم، وتبنّى مشروعًا اشتراكيًا يسعى للمساواة والعدالة، حتى وإن كانت أدوات التطبيق وقتها تعاني من الإرباك السياسي أو صدامات الداخل. كان الرجل بسيطًا في ملبسه ومسلكه، يسير في شوارع عدن دون موكب، ويجلس إلى العمال والمزارعين، ويؤمن بأن الجنوب يمكن أن يكون مشروعًا مستقلاً لا تابعًا.
أما في الشمال، فقد شكّل إبراهيم الحمدي ظاهرة غير مسبوقة، بل ما زال يُعدّ الاستثناء اليمني في زمن التكرار. جاء الحمدي في مرحلة كان فيها اليمن الشمالي غارقًا في الفساد القبلي والصراعات السياسية والانقسامات، فحاول أن يقطع مع الماضي، ويؤسس دولة مدنية حديثة، عبر إنهاء سطوة المشيخات والنفوذ التقليدي، وإعادة الاعتبار لمؤسسات الدولة. كانت سنوات حكمه القصيرة مليئة بالمشاريع التنموية، ببناء المدارس والطرقات، بتعزيز الهوية الوطنية بعيدًا عن العصبية. وقد رأى فيه اليمنيون مشروع الخلاص، القائد الذي لم يكن يُفرّق بين مدينة وقرية، ولا بين قبيلة ومثقف، بل عمل على إعادة توزيع السلطة والفرص.
الحنين لهذين الرجلين يتجدد اليوم في زمن الانهيار، لأن الذاكرة الجماعية تقارن تلقائيًا بين نموذجين مختلفين من الحكم. في زمن سالمين والحمدي كانت هناك مشاريع وطنية حتى وإن تعثرت، أما اليوم فقد استحال المشهد إلى حروب طاحنة، وفساد ينخر المؤسسات، وزعامات مناطقية أو مذهبية لا تفكر إلا في ترسيخ مكاسبها الخاصة. يرى الناس اليوم كيف تحوّلت الدولة إلى كانتونات نفوذ، ويشعرون بفقدان الأمل، ولذلك، حين تُذكر أسماء سالمين والحمدي، يُستدعى زمنٌ بدا - ولو للحظة - أن الوطن كان فيه أقرب إلى فكرة.
إن استمرار هذا الحنين بعد خمسة عقود يعني أن الأمل لم يمت، وأن اليمنيين لا يزالون يبحثون في الماضي عن رموز تؤكد لهم أن "الوطن" كفكرة، كان ممكنًا يومًا ما، وربما يمكن أن يعود. سالم ربيع علي وإبراهيم الحمدي لم يكونا مجرد رئيسين، بل أصبحا رمزين لطموحات جيل بأكمله، ولذلك بقي حبهما متقدًا في القلوب، كأيقونتين للزمن النقي الذي وأدته المؤامرات.
لماذا لا يزال اليمنيون يحنّون إلى سالم ربيع علي وإبراهيم الحمدي؟
رغم مرور أكثر من خمسة عقود على رحيل كل من الرئيسين اليمنيين سالم ربيع علي (سالمين) وإبراهيم الحمدي، لا تزال سيرتهما حاضرة في الذاكرة الجمعية لليمنيين، تثير الشوق والحنين والأسى، وكأن الزمن لم يتحرك منذ اغتيالهما. هذا الحنين لا يأتي من فراغ أو من حالة نوستالجيا عاطفية عابرة، بل هو حنين إلى لحظة وطنية كانت تبدو في وقتها نادرة، إلى مشروعين لم يكتمل نموهما، إلى رجال حملوا رؤى تتجاوز السلالة والمناطقية والولاء الشخصي، ونزلوا إلى الناس وهم يحملون مشاريع بناء حقيقي لا استعراضًا سلطويًا فارغًا.
في حالة سالم ربيع علي، استشعر أبناء الجنوب في فترة حكمه بزوغ نجم زعيم خرج من رحم الفقراء، من حي شعبي في عدن، وارتقى إلى سدة الحكم دون أن يتخلّى عن بساطته أو ارتباطه بالمجتمع. شكّل سالمين في المخيال الجنوبي نموذج القائد الثوري الذي التحم بالناس، حمل همومهم، وتبنّى مشروعًا اشتراكيًا يسعى للمساواة والعدالة، حتى وإن كانت أدوات التطبيق وقتها تعاني من الإرباك السياسي أو صدامات الداخل. كان الرجل بسيطًا في ملبسه ومسلكه، يسير في شوارع عدن دون موكب، ويجلس إلى العمال والمزارعين، ويؤمن بأن الجنوب يمكن أن يكون مشروعًا مستقلاً لا تابعًا.
أما في الشمال، فقد شكّل إبراهيم الحمدي ظاهرة غير مسبوقة، بل ما زال يُعدّ الاستثناء اليمني في زمن التكرار. جاء الحمدي في مرحلة كان فيها اليمن الشمالي غارقًا في الفساد القبلي والصراعات السياسية والانقسامات، فحاول أن يقطع مع الماضي، ويؤسس دولة مدنية حديثة، عبر إنهاء سطوة المشيخات والنفوذ التقليدي، وإعادة الاعتبار لمؤسسات الدولة. كانت سنوات حكمه القصيرة مليئة بالمشاريع التنموية، ببناء المدارس والطرقات، بتعزيز الهوية الوطنية بعيدًا عن العصبية. وقد رأى فيه اليمنيون مشروع الخلاص، القائد الذي لم يكن يُفرّق بين مدينة وقرية، ولا بين قبيلة ومثقف، بل عمل على إعادة توزيع السلطة والفرص.
الحنين لهذين الرجلين يتجدد اليوم في زمن الانهيار، لأن الذاكرة الجماعية تقارن تلقائيًا بين نموذجين مختلفين من الحكم. في زمن سالمين والحمدي كانت هناك مشاريع وطنية حتى وإن تعثرت، أما اليوم فقد استحال المشهد إلى حروب طاحنة، وفساد ينخر المؤسسات، وزعامات مناطقية أو مذهبية لا تفكر إلا في ترسيخ مكاسبها الخاصة. يرى الناس اليوم كيف تحوّلت الدولة إلى كانتونات نفوذ، ويشعرون بفقدان الأمل، ولذلك، حين تُذكر أسماء سالمين والحمدي، يُستدعى زمنٌ بدا - ولو للحظة - أن الوطن كان فيه أقرب إلى فكرة.
إن استمرار هذا الحنين بعد خمسة عقود يعني أن الأمل لم يمت، وأن اليمنيين لا يزالون يبحثون في الماضي عن رموز تؤكد لهم أن "الوطن" كفكرة، كان ممكنًا يومًا ما، وربما يمكن أن يعود. سالم ربيع علي وإبراهيم الحمدي لم يكونا مجرد رئيسين، بل أصبحا رمزين لطموحات جيل بأكمله، ولذلك بقي حبهما متقدًا في القلوب، كأيقونتين للزمن النقي الذي وأدته المؤامرات.
لماذا فشلت جميع القوى السياسية اللاحقة في إبراز نموذج مقارب لما قدمه الرجلان؟
بعد رحيل كل من سالم ربيع علي في الجنوب وإبراهيم الحمدي في الشمال، دخلت اليمن، بشطريها، في نفق سياسي طويل من التيه والارتداد إلى الوراء، وبرزت قوى سياسية جديدة لم تنجح في حمل راية الإصلاح التي بدأها الرجلان، بل تحولت إلى أدوات صراع ونفوذ، عاجزة عن إنتاج أي نموذج وطني بديل، أو حتى المحافظة على ما تحقق في زمن الحمدي وسالمين من مشاريع بناء دولة.
في الجنوب، تعاقبت على السلطة نخبة سياسية ظلت رهينة الصراعات الفكرية والحزبية، ثم تحوّلت تدريجياً إلى أجنحة متقاتلة داخل الحزب الواحد. مرحلة ما بعد سالمين اتسمت بمزيد من التشظي، حيث طغت الحسابات المناطقية والصراع على السلطة على حساب المشروع الوطني. الانقلاب الدموي في 1986م، وما سبقه من أحداث دامية داخل القيادة، كشف هشاشة البنية السياسية، وأظهر كيف أن النخبة السياسية كانت غير مؤهلة للحفاظ على الدولة، بل ساهمت في تآكلها من الداخل. هذه الانقسامات المتكررة، أنهكت الحراك السياسي، وفقد الناس الثقة في أي مشروع وطني بعد أن تحول السياسيون إلى أدوات لتصفية بعضهم البعض، بدلًا من أن يكونوا رموز بناء.
أما في الشمال، فقد جاءت مرحلة ما بعد الحمدي بوجه سلطوي تقليدي. دخلت البلاد في عهد علي عبدالله صالح في مرحلة ترسيخ لنظام يقوم على الولاء الشخصي، وتوزيع السلطة والثروة ضمن شبكة معقدة من المحسوبيات والتحالفات القبلية والعسكرية. تم تفريغ مؤسسات الدولة من مضمونها، وتحولت أجهزة الحكم إلى كيانات تتبع مراكز النفوذ، لا القانون. تم احتواء فكرة "دولة المواطنة" التي كان الحمدي يسعى إليها، وتم تقزيم الطموح الوطني لصالح مشاريع السلطة والاستمرار فيها بأي ثمن. وحين قامت الوحدة، لم تكن على أساس تعاقدي متكافئ، بل على قاعدة الهيمنة والتفرد، وهو ما أدى لاحقًا إلى انفجار حرب 1994م وما تلاها من مظالم.
المفارقة أن معظم القوى السياسية التي حكمت اليمن بعد الرجلين، كانت تعيد إنتاج ذات النموذج القديم الذي كان الحمدي وسالمين يحاولان تجاوزه. لم تظهر أي قيادة تحمل ذات الرؤية أو النزاهة أو الجرأة. بل ساد المشهد من بعدهم طابع نفعي، قائم على اقتسام الدولة كغنيمة بين الأحزاب أو القبائل أو الجماعات المسلحة، مع عجز دائم عن التأسيس لمشروع دولة حقيقية، تستوعب الناس على قاعدة الحقوق والواجبات، لا على أساس الهويات الفرعية.
وكان من الممكن أن تظهر نماذج محدثة تحاكي ما بدأه الحمدي وسالمين، لكن البيئة السياسية والأمنية تراجعت بشكل مريع. تفككت الهوية الوطنية لصالح المشاريع الطائفية والمناطقية، وتكاثرت الولاءات للخارج، وضعُف الحضور الشعبي للسلطة، وغابت الكفاءات، بل وتم تهميشها عمدًا، ما ساهم في تكرار الفشل على مستوى الحكم والمعارضة على حد سواء.
اليوم، ورغم تعدد المكونات السياسية، لا تزال اليمن تفتقر إلى قيادة تمتلك مشروعًا وطنيًا جامعًا. إن الفراغ السياسي الذي تركه الحمدي وسالمين لا يزال قائمًا، بل ويتسع يومًا بعد آخر، في ظل عدم بروز أي شخصية سياسية أعادت للناس الأمل أو أثبتت أنها تمتلك مشروعًا يتجاوز الذات والمصلحة. ولذلك، ظل الحنين لهذين الرجلين متجددًا، لأن الحاضر – بكل ما فيه من انهيار – يُعيد تذكير الناس بتلك اللحظة القصيرة التي كانت فيها اليمن على وشك أن تتحول إلى دولة.
قصة صعود سالمين ومقتله: من عامل بسيط إلى شهيد مشروع الدولة
سالم ربيع علي، أو كما يحب أبناء الجنوب تسميته بـ"سالمين"، لم يكن نجل أسرة برجوازية أو جنرالًا جاء من رحم المؤسسة العسكرية كما جرت العادة في الجمهوريات الوليدة، بل كان عاملًا بسيطًا في مصافي عدن، ابن بيئة فقيرة، خرج من الحواري الشعبية إلى الفعل السياسي من خلال التزامه المبكر في صفوف الجبهة القومية. ميّزه وعيه الطبقي، وقربه من هموم الناس، وبساطته الشديدة التي لم تُفارقه حتى وهو في قمة السلطة، فكان ابن الجنوب البار الذي عانق هموم العمال والفلاحين، وشكّل في وعيهم رمزًا للتحرر والعدالة.
صعد سالمين في وقت كانت فيه عدن تعيش مخاض ما بعد الاستقلال عن الاستعمار البريطاني. وحين تسلم مقاليد الحكم في العام 1970م، كان اليمن الجنوبي يخطو أولى خطواته كدولة مستقلة تواجه تحديات بناء وطن من رحم الاستعمار. قرر سالمين أن يخوض معركة بناء الدولة من الأساس، فعمل على تأميم الممتلكات الكبيرة، ووزع الأراضي للفلاحين، وأطلق برامج التعليم المجاني، وسعى لترسيخ الهوية الوطنية بعيدًا عن القبلية والمناطقية. لم يكن مشروعه اشتراكيًا فقط بالمعنى الإيديولوجي، بل كان شعبيًا صرفًا، يستند إلى رؤية تقول إن الإنسان هو أساس البناء، وأن العدالة الاجتماعية مقدّمة على كل شيء.
لكن هذا المشروع لم يكن يروق للجميع، لا في الداخل ولا في الخارج. في الداخل، اصطدم سالمين سريعًا بالنخب التي رأت في سياساته تهديدًا لمصالحها، وبالقيادات التي كانت تنتمي إلى تيارات أكثر راديكالية وأخرى أكثر براغماتية. في الخارج، لم تُخفِ بعض العواصم قلقها من توجهاته التي بدت أقرب إلى الكوبيين والفيتناميين منه إلى معسكرات الصراع التقليدية. رغم ذلك، صمد سالمين في وجه الضغوط، ونجح في تعزيز الاستقرار مؤقتًا، لكنه لم يكن يملك الحماية الكافية داخل الحزب الحاكم.
سالمين لم يكن يمتلك "الأجنحة الأمنية" التي امتلكها خصومه، كما أن رصيده الشعبي لم يكن كافيًا لحمايته في لحظة الغدر. وفي يونيو 1978م، تم تدبير انقلاب سياسي داخلي ضده من قبل مجموعة داخل المكتب السياسي للحزب الاشتراكي اليمني. اُعتقل، وقُتل بعد أيام بطريقة غامضة، ثم أُعلن لاحقًا أن مقتله كان نتيجة "انحرافات سياسية"، دون أي محاكمة أو تحقيق شفاف.
مقتله شكّل صدمة كبرى، ليس لأنه أنهى حقبة سياسية قصيرة فحسب، بل لأنه اغتال حلم الدولة المدنية في الجنوب. بعد مقتله، دخلت عدن في سلسلة طويلة من التصفيات السياسية، بدأت بحرب الرفاق ولم تنتهِ إلا بانهيار الدولة نفسها مطلع التسعينيات. ومنذ ذلك الحين، ظل سالمين رمزًا للحلم الجنوبي المجهض، الرجل الذي حاول أن يجعل من الدولة مظلة للناس، فدفع حياته ثمنًا لذلك الحلم.
قصة صعود الحمدي ومقتله: مشروع الدولة الذي قُطع في منتصف الحلم
إبراهيم محمد الحمدي، الاسم الذي لا يزال محفورًا في ذاكرة اليمنيين شمالًا وجنوبًا كرمز نادر للعدالة والنزاهة والطموح الوطني، لم يكن مجرد ضابط صعد في ظرف استثنائي، بل كان تجسيدًا لرؤية فذة كانت ترى في الدولة أداة للتحول لا وسيلة للنهب، وفي العدالة الاجتماعية قيمة عليا لا شعارًا للاستهلاك السياسي.
وُلد الحمدي في 1943 بمحافظة إب، وبدأ مشواره العسكري مبكرًا، حيث تخرج من الكلية الحربية بصنعاء، وتدرّج في المناصب حتى وصل إلى منصب نائب القائد العام للقوات المسلحة. وفي 13 يونيو 1974، قاد الحمدي انقلابًا أبيضًا على الرئيس القاضي عبد الرحمن الإرياني، معلنًا انطلاق ما سُمّي بـ"حركة 13 يونيو التصحيحية"، وهي حركة تبنت برنامجًا طموحًا لإصلاح مؤسسات الدولة وتحديثها، في وقت كانت الجمهورية الوليدة لا تزال تعاني من آثار الملكية والصراعات المناطقية والفساد المتغلغل في أجهزة الدولة.
أبرز ما ميّز عهد الحمدي هو سعيه الجاد لتأسيس دولة المؤسسات. أطلق مشاريع واسعة في البنية التحتية، ورفع من شأن التعليم، وأنشأ "المجالس المحلية للتطوير التعاوني"، التي كانت تجربة رائدة في تمكين المجتمعات المحلية من إدارة مشاريعها. كان يرى في التنمية الريفية أولوية، وحرص على ألا تتركز السلطة في العاصمة. حارب الفساد بشراسة، وأطاح بعدد من المتنفذين، ورفض الانجرار إلى الولاءات المناطقية أو القبلية، مما جعله يصطدم بالتحالفات التقليدية التي لطالما سيطرت على شمال اليمن.
كما كان الحمدي حريصًا على تقوية الجيش وتحريره من النفوذ القبلي، ساعيًا إلى بناء مؤسسة عسكرية وطنية مهنية. وقد أثار هذا التوجه حفيظة مراكز القوى القبلية والعسكرية التي رأت فيه تهديدًا مباشرًا لنفوذها. كما تميزت علاقاته الإقليمية بالاستقلالية والاتزان، ورفضه للتبعية، مما جعل علاقاته ببعض العواصم الخليجية متوترة، خاصة في ظل حديثه المتكرر عن الوحدة اليمنية وسعيه الحثيث لتقارب فعلي مع الجنوب.
في عام 1977، كان الحمدي قد بدأ فعليًا التفاوض مع القيادة في عدن بشأن الوحدة، وقام بزيارة سرية إلى الجنوب، حيث وُقعت مسودة اتفاق أولي على إعلان الوحدة في أول أكتوبر من نفس العام. لكن هذا المشروع الطموح كان أكبر من أن يُحتمل في بيئة سياسية مشبعة بالصراعات، محكومة بموازين قوة لا تريد لليمن أن يتحول إلى دولة ذات سيادة ومؤسسات.
في 11 أكتوبر 1977، قُتل الحمدي في ظروف غامضة داخل منزله بصنعاء، فيما كان يستعد للسفر إلى عدن لإعلان الوحدة. الروايات المتداولة كثيرة، لكن معظمها يتفق على أن مقتله كان انقلابًا صامتًا نفّذته مراكز قوى نافذة، برعاية إقليمية، لإنهاء مشروع الدولة التي كان الحمدي يبنيها. وما زاد من صدمة اليمنيين أن عملية القتل لم تقتصر عليه، بل شملت شقيقه عبد الله وعددًا من مرافقيه، فيما كانت الجريمة تُغلف بغطاء سياسي مهزوز.
بعد مقتله، دخل الشمال في دوامة من العودة إلى الوراء، وعاد حكم المشايخ، وبرز علي عبد الله صالح كوريث للعهد، لكنه لم يورّث غير الولاءات الضيقة ومشاريع النفوذ الشخصي. لم تُفتح أي تحقيقات في مقتل الحمدي، ولم تُكشف أي حقائق رسمية، وظل الرجل في ذاكرة اليمنيين رمزًا لما كان يمكن أن يكون، ولم يكن.
وفي حين انقسمت البلاد لاحقًا بين الانفصال والوحدة، وبين الحرب والسلام، ظل الحمدي الرمز الذي يعيد طرح سؤال الدولة على بساط البحث في كل أزمة. يُستعاد اسمه كلما فاحت رائحة الفساد، وكلما تحطمت الأحلام على صخرة المصالح، لأنه كان مشروعًا يمشي على قدمين، قُتل فقط لأنه أراد للدولة أن تكون للشعب، لا للمتنفذين.
كيف تغيّر واقع الجنوب بعد سالمين وغرق في الصراعات؟
بعد مقتل سالم ربيع علي في 26 يونيو 1978، دخل جنوب اليمن في مرحلة شديدة التعقيد من التحولات السياسية، كان أبرز ملامحها صعود التيارات الأكثر تشددًا داخل الحزب الاشتراكي اليمني، وانحسار تيار الواقعية السياسية الذي كان يمثله سالمين. فقد مثّل رحيله، بالنسبة لكثير من المراقبين، نهاية مرحلة الانفتاح النسبي والاستقلال السياسي، وبداية حقبة من الانغلاق الأيديولوجي والصراع الدموي الداخلي.
كان سالمين قد انتهج خلال سنوات حكمه (1969-1978) سياسة خارجية مستقلة نسبيًا رغم التوجهات اليسارية الحاكمة. لم يكن عدائيًا لدول الجوار، بل سعى إلى إقامة توازن في العلاقات، مع الإبقاء على علاقات قوية بالاتحاد السوفيتي. لكن بعد مقتله، تزايد النفوذ السوفيتي في القرار السياسي الجنوبي، ودخلت البلاد في دوامة من التحالفات العقائدية التي أدت إلى إقصاء وتصفية الكثير من الكوادر الوطنية باسم "التصحيح" أو "الثورة المضادة".
وتوالت الأحداث التي عمّقت الشرخ داخل الجنوب، حيث شهدت الأعوام اللاحقة عددًا من التصفيات السياسية داخل الحزب الحاكم، أبرزها الصراع الدموي في يناير 1986 بين جناحي الرئيس علي ناصر محمد وعلي عنتر وسالم صالح، وهي الأحداث التي قُتل فيها آلاف الجنوبيين، وخلّفت ندوبًا اجتماعية وسياسية عميقة لم تُشفَ حتى اليوم. ذلك الصراع، الذي دُفعت إليه البلاد نتيجة تراكمات من التهميش والتناحر على النفوذ داخل مؤسسات الدولة، شكّل ضربة قاصمة لمشروع الدولة الجنوبية، وأظهر هشاشة التحالفات الداخلية حتى بين رفاق السلاح والعقيدة.
اقتصاديًا، دخل الجنوب في ركود عميق. الاعتماد الكلي على الدعم السوفيتي جعل البلاد غير قادرة على بناء اقتصاد إنتاجي حقيقي، ومع تراجع دعم موسكو في الثمانينات، بدأت مظاهر الأزمة بالظهور، من نقص في الخدمات إلى تفاقم البطالة، ما جعل الجنوب هشًا سياسيًا واقتصاديًا في لحظة الوحدة مع الشمال عام 1990. وقد دخل الجنوبيون تلك الوحدة وهم مثقلون بانقسامات داخلية وفقر بنيوي، مقابل نخبة شمالية تمتلك شبكات نفوذ واسعة ومرونة اقتصادية أكبر.
أما من الناحية الاجتماعية، فقد تعمقت الفجوة بين السلطة والمجتمع، وفقدت النخبة السياسية الجنوبية الكثير من شعبيتها بسبب تحوّلها إلى سلطة مغلقة تمارس الإقصاء تحت شعارات أيديولوجية. تم تهميش المثقفين، وتقييد الحريات، وفرض خطاب شمولي لا يتسامح مع التعدد، وهو ما أدى في نهاية المطاف إلى تقويض روح المشاركة والانتماء الوطني، وتحويل الحزب إلى أداة سيطرة لا أداة تمكين.
وبعد الوحدة، واجه الجنوب تحديات جمة نتيجة اختلاف البنية المؤسسية والفكر السياسي بين الشمال والجنوب. فالنخبة التي جاءت من عدن كانت تعاني من إرث التصفيات والدماء، ولم تكن قادرة على المناورة في بيئة سياسية جديدة تتطلب التحالفات والمفاوضات. وهكذا وجد الجنوبيون أنفسهم مهمشين داخل الدولة الجديدة، وسط نفوذ شمالي متصاعد، ما مهّد لاحقًا لحرب 1994 التي أجهزت على ما تبقى من بنى الدولة الجنوبية.
رحيل سالمين لم يكن مجرد نهاية عهد سياسي، بل كان بداية لانهيار نموذج كان يمكن البناء عليه. تحوّل الجنوب من حلم بناء دولة مدنية اشتراكية ذات سيادة، إلى ساحة للتجاذب الأيديولوجي والاحتراب الداخلي. وبعد عقود من الزمن، لا تزال آثار تلك الصراعات حاضرة في الوعي الجمعي الجنوبي، حيث يشعر كثير من الجنوبيين أن سالمين كان آخر الزعماء الذين امتلكوا مشروعًا وطنيًا صادقًا، وأن غيابه ترك فراغًا لم يملأه أحد من بعده.
وكيف تغيّر واقع الشمال بعد مقتل الحمدي؟
كان مقتل الرئيس إبراهيم الحمدي في 11 أكتوبر 1977 نقطة تحول مأساوية في تاريخ اليمن الشمالي، ليس فقط لأنه أنهى تجربة حكم قصيرة لكنها طموحة، بل لأنه فتح الباب على مصراعيه أمام مرحلة جديدة من التراجع السياسي والانفلات القبلي، وتحالفات قوى النفوذ التي قادت البلاد لاحقًا إلى أتون الفساد والصراعات المسلحة.
كان الحمدي قد جاء إلى السلطة في لحظة بدا فيها الشمال اليمني غارقًا في التخلف، تحت هيمنة قبلية ثقيلة، واقتصاد زراعي هش، ومؤسسات شبه غائبة. خلال ثلاث سنوات فقط، أطلق الحمدي مشروعًا تنويريًا طموحًا، تمثل في الحد من تدخل القبيلة في الدولة، تقليص نفوذ المشائخ، وإرساء هيبة النظام عبر مشروع "اللجان الشعبية"، الذي أراد من خلاله تحويل المجتمع من متلقٍ خامل إلى شريك في التنمية.
اقتصاديًا، ركّز الحمدي على بناء دولة تعتمد على ذاتها، بعيدًا عن التبعية الكاملة للخارج. وبدأ بمشاريع بنية تحتية واسعة، وأعاد الاعتبار للقطاع الزراعي، وعزز التبادل التجاري مع الدول العربية. كما فتح المجال للكفاءات الشابة، بغض النظر عن انتماءاتها القبلية، ما جعل كثيرين يرون فيه الأمل لبناء دولة مدنية حديثة.
لكن هذه السياسة التحررية لم تكن لترضي مراكز القوى التقليدية، خاصة تحالف القبيلة والعسكر، الذين شعروا بأن مشروع الحمدي يهدد امتيازاتهم الراسخة. ومع تصاعد شعبيته داخليًا وخارجياً، وتوجهه لإعلان وحدة "متقدمة" مع الجنوب في عام 1977، بدا أن الحمدي يخرج من عباءة النظام الإقليمي، ويتجه نحو استقلال القرار اليمني.
جاء اغتياله – الذي ما زالت ملابساته غامضة حتى اليوم – في وقت كان فيه يستعد للسفر إلى عدن للقاء نظيره سالم ربيع علي. كان هذا اللقاء من شأنه، بحسب مراقبين، أن يدشن وحدة يمنية نابعة من إرادة الشعب، لا من تفاهمات النخب السياسية والعسكرية. غير أن مقتله، ومقتل أخيه عبد الله الحمدي بعده بساعات، قطع الطريق على هذا المشروع، وأعاد الكفّة لصالح تحالف القوى التقليدية.
بعد الحمدي، جاء عهد علي عبد الله صالح الذي استمر لأكثر من ثلاثة عقود، وحوّل الدولة اليمنية إلى ملكية عائلية تتداخل فيها مصالح القبيلة، والجيش، ورجال الأعمال. تم تصفية مشروع الدولة الحديثة، وتكريس دولة المحاصصة القبلية، وتعميق الفساد، وتمزيق المؤسسات لحساب الولاء لا الكفاءة. وتحوّلت القبيلة من كيان اجتماعي إلى أداة سياسية بيد السلطة، تُستخدم في قمع المعارضة وشراء الولاءات.
أما على مستوى المجتمع، فقد بدأت مظاهر الإحباط واليأس تظهر، خاصة لدى الأجيال التي عاصرت الحمدي ورأت في مشروعه فرصة ضائعة. صار اسمه رمزًا للمقارنة، كلما ساءت الأوضاع. "لو كان الحمدي حيًا" أصبحت جملة ترددها كل طبقة مسحوقة، في ظل تدهور التعليم، وانتشار الفساد، وتفشي المحسوبية.
وتاريخيًا، كان الشمال بعد الحمدي أقل تماسكًا، وأكثر عرضة للتفكك. فبدلًا من دولة مركزية قوية، حكم صالح البلاد عبر "نظام الشِّلل"، ومنح الامتيازات لأبناء منطقته والموالين له، ما عمّق الفجوات المناطقية، وفتح الباب لصعود جماعات مثل الحوثيين، الذين استثمروا في تهميش صعدة وتناقضات الدولة المركزية.
لقد كانت تجربة الحمدي واحدة من التجارب القليلة التي جمعت بين الطموح الوطني والفعالية العملية، ومقتله لم يكن خسارة لرجل فحسب، بل انهيارًا لمشروع كان يمكن أن يغيّر مصير اليمن بأكمله، ويمنح الشمال نموذجًا للدولة العادلة والقوية.
وهل من خلاص؟
لا يمكن قراءة تجربة سالم ربيع علي وإبراهيم الحمدي بمعزل عن سياقهما التاريخي، ولا يمكن إنكار أن الرجلين يمثلان – رغم اختلاف التجربة والموقع الجغرافي – محاولتين نادرتين في تاريخ اليمن الحديث لبناء دولة مؤسسات تحترم الإنسان، وتسعى إلى العدالة الاجتماعية، وتؤمن بأن استقلال القرار الوطني هو حجر الزاوية لأي نهضة. وفي الوقت الذي جاء فيه كثير من القادة إلى السلطة عبر تحالفات قبلية أو محاور إقليمية، صعد الحمدي وسالمين من قلب الفئات الوسطى الطامحة إلى التغيير، فكانا امتدادًا لحلم اليمنيين أكثر من كونهما أبناء النخبة.
جمعت التجربتين عدة قواسم مشتركة؛ كلاهما واجه نفوذ مراكز القوى التقليدية، وكلاهما حاول إعادة تعريف علاقة الدولة بالمجتمع على أسس مدنية لا قبلية، وكلاهما قُتل في أوج مسيرته. الفرق أن الحمدي جاء في بيئة شمالية قبلية محافظة، وسالمين نشأ في جنوبٍ اشتراكي منفتح على قوى التحرر العالمي. لكن النهاية كانت متشابهة: اغتيال سياسي دموي، أعاد البلاد خطوات إلى الوراء.
الواقع أن اغتيال الرجلين لم يكن فقط اغتيالًا للأمل، بل أيضًا إعلانًا صريحًا بأن مشروع الدولة في اليمن لا يُكتب له الحياة إن لم يكن على مقاس مراكز النفوذ. بعد رحيلهما، سيطرت ثقافة الشللية، والانتماء المناطقي، وبدأت الدولة تتآكل من الداخل لصالح العصبيات. فجنوب ما بعد سالمين دخل في دوامة صراعات دموية بين رفاق الحزب الواحد، وشمال ما بعد الحمدي تحول إلى ساحة للفساد والمحاباة، وبرزت فيه الدولة كظل هش لأجهزة أمنية وعسكرية تخدم الحاكم لا المواطن.
من الناحية السياسية، تم إسكات كل الأصوات التي كانت تنادي بالإصلاح أو العدالة. القوى التي اغتالت الحمدي وسالمين لم تكتف بتصفيتهما جسديًا، بل حرصت على تشويه إرثهما، وتغييب منجزاتهما، وجعل ذكراهما ترفًا عاطفيًا في وعي العامة، لا مادة حقيقية للنقاش السياسي أو إعادة البناء. وظلّت كل محاولة لتكرار تجربتهما تُجهض في مهدها، تحت طائلة "الفتنة"، أو "المساس بالثوابت".
لكن السؤال الكبير: هل يمكن استعادة تلك التجربة اليوم؟ وهل من خلاص بعد كل هذا الخراب؟ الواقع أن التجربتين قدمتا نموذجًا لما يمكن أن تكون عليه اليمن، إن صعد إلى السلطة رجال يؤمنون بالوطن لا بالصفقة، وبالعدالة لا بالغنيمة. لكن استنساخ الحمدي وسالمين ليس ممكنًا، ولا مطلوبًا حرفيًا، فهما نتاج عصرهما، وظروفهما. المطلوب اليوم هو استلهام روحهما، وخلق نموذج جديد يؤمن بمركزية الإنسان، وبأن لا مستقبل لأي بلد يقوم على قهر الأطراف أو تهميش المناطق أو نهب الثروات.
الخلاص لا يأتي من الحنين وحده، بل من إدراك عميق بأن الاستمرار في اجترار الصراعات السابقة لن يقود إلا لمزيد من التمزق. تحتاج اليمن اليوم إلى نخبة جديدة، تشبه ما أراده الحمدي وسالمين: دولة تنتمي لمواطنيها، لا لعصبة حاكمة؛ دولة تحمي الضعفاء بدلًا من حماية امتيازات الأقوياء؛ دولة تسعى للعدالة لا للثأر، وللمواطنة لا للمحاباة.
إذا كان الحمدي وسالمين قد غادرا المشهد منذ أكثر من أربعة عقود، فإن أحلامهما لا تزال حية، وربما أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى. ما يحتاجه اليمنيون اليوم هو ألا يتحول الحنين إلى بكائيات، بل إلى مشروع وطني جامع، يُبنى على أنقاض الماضي، ويصيغ دولة جديدة، تستحق أن ينتمي إليها الجميع.
في انتظار حلم لم يكتمل بعد
بعد كل ما كُتب عن سالم ربيع علي وإبراهيم الحمدي، وبعد كل ما جرى منذ رحيلهما وحتى اليوم، يمكن القول إن اليمن لا تزال عالقة في مرحلة ما قبل الدولة. فما بين مشاريع الانفصال غير الناضجة، وتجارب الوحدة القسرية، وصراعات النخب الفاشلة، لم تنجح أي مرحلة في تأسيس نموذج وطني جامع يُنهي الصراع ويبدأ البناء. والحنين الكبير لهذين القائدين ليس مجرد شغف عاطفي بالتاريخ، بل تعبير عن فشل النظام السياسي اللاحق في تحقيق أبسط تطلعات الإنسان اليمني في الأمان، والعدالة، والكرامة.
لقد أثبتت تجربة ما بعد 2011، وما تبعها من انقلاب، وحرب، وانقسام، أن اليمن بحاجة ماسة إلى لحظة تأسيسية جديدة، تعيد تعريف من هو المواطن، وما هي الدولة، وما معنى أن تكون السلطة خادمة للناس لا سيدة عليهم. وهذا التأسيس لا يمكن أن يتم بوجوه أنهكتها الحسابات المناطقية، أو أدوات جُرّبت سابقًا وفشلت، بل بنخب جديدة، تمتلك الشجاعة السياسية والرؤية الوطنية، وتتجاوز الاصطفافات والارتباطات الخارجية.
إن درس الحمدي وسالمين لا يكمن فقط في سيرتهما، بل في ما أعقب غيابهما. فقد ثبت أن قتل الحلم لا يقتل الحاجة إليه، وأن تصفية القادة لا تلغي أثرهم، بل تُرسخه. والحال اليوم يفرض سؤالًا كبيرًا على النخبة اليمنية: هل سنواصل دوامة الدم والخراب والحنين، أم سنحول هذا الحنين إلى فعل؟ هل سنظل نبحث عن "رجل منقذ"، أم سنبني دولة تُغني الناس عن انتظار المعجزات؟
الخلاص ليس مجرد حدث، بل مسار طويل يتطلب مراجعة شاملة، ومصارحة حقيقية، وقطعًا جذريًا مع أساليب الحكم الفاشلة. وسواء جاء الخلاص على شكل نظام فيدرالي، أو حكم محلي واسع الصلاحيات، أو دولة موحدة بعدالة، فإن جوهره يجب أن يكون الدولة العادلة، لا الشكل الإداري. ففي النهاية، لا يبحث اليمني عن علم جديد أو نشيد مختلف، بل عن كهرباء لا تنقطع، وماء لا يُشترى بالوايت، ومستشفى لا يُطلب فيه واسطة، ووظيفة لا تُمنح بالولاء، وأمن لا يأتي بكمين منتصف الليل.
بهذه الروح فقط، يمكن أن يُكتب للحلم أن يكتمل، لا على هيئة تكرار لتجارب الماضي، بل تأسيس لواقع جديد يستحقه اليمنيون، وتستحقه تضحيات من سبقونا على طريق الخلاص.