آخر تحديث :الأحد-20 يوليو 2025-02:01ص
إقتصاد وتكنلوجيا

كيف تأثرت أسعار النفط الخام بالتعريفات الجمركية الأمريكية؟

السبت - 19 يوليو 2025 - 09:32 م بتوقيت عدن
كيف تأثرت أسعار النفط الخام بالتعريفات الجمركية الأمريكية؟

كيف تأثرت أسعار النفط الخام بالتعريفات الجمركية الأمريكية؟

تُعد أسعار النفط الخام من أكثر المؤشرات حساسية للتغيرات الاقتصادية والجيوسياسية على المستوى العالمي. ومن أبرز العوامل التي أثّرت على أسعار النفط في السنوات الأخيرة سياساتالحمائية التجاريةالتي تبنتها الولايات المتحدة، وخاصةفرض التعريفات الجمركية على السلع المستوردة، والتي كانت جزءًا رئيسيًا من الحرب التجارية بين واشنطن وبكين. أدّت هذه التعريفات إلى تداعيات عميقة طالت سلاسل الإمداد العالمية، النمو الاقتصادي العالمي، وبالتالي الطلب على الطاقة والنفط الخام. في هذا المقال، نناقش كيف أثّرت تلك التعريفات الجمركية الأمريكية على أسعار النفط، وما هي الآثار المباشرة وغير المباشرة لهذه السياسات.

أولًا: الخلفية – التعريفات الجمركية الأمريكية والحرب التجارية

بدأت الولايات المتحدة، خاصة منذ عام 2018، بفرض تعريفات جمركية مرتفعة على واردات الحديد، الألومنيوم، والإلكترونيات القادمة من الصين ودول أخرى، في محاولة لتقليل العجز التجاري وتحفيز الإنتاج المحلي. وردّت الصين وغيرها من الدول بإجراءات مماثلة. هذه الحرب التجارية خلقت بيئة منالقلق وعدم اليقينفي الأسواق العالمية، ودفعت المؤسسات والشركات إلى مراجعة خططها الاستثمارية والتوسعية.

ثانيًا: أثر التعريفات على الاقتصاد العالمي

عندما تفرض الولايات المتحدة تعريفات جمركية على شركاء تجاريين كبار مثل الصين أو الاتحاد الأوروبي، فإن ذلك يرفع تكلفة التجارة، ويؤدي إلى انخفاض حجم الواردات والصادرات، ما يُقلل من معدلات النمو الاقتصادي العالمي. ونتيجة لذلك، فإنالطلب العالمي على الطاقة– وخاصة النفط الخام – يتراجع بسبب انخفاض الإنتاج الصناعي، والنقل، والاستهلاك العام للطاقة. وقد سجلت عدة مؤسسات اقتصادية كبرى مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدوليتخفيضًا في توقعات النمو العالميخلال فترات تصاعد الحرب التجارية، مما انعكس على أسعار النفط سلبًا.

ثالثًا: العلاقة بين النمو الاقتصادي والنفط

النمو الاقتصادي مرتبط ارتباطًا وثيقًا باستهلاك النفط. فعندما يتباطأ الاقتصاد العالمي، تقل حركة النقل الجوي والبري، وتنخفض مستويات التصنيع، وهو ما ينعكس علىالطلب علىسعر برميل النفط اليوم مباشروقد لوحظ هذا بوضوح في فترات تصاعد التوترات التجارية، حيث انخفضت أسعار النفط نتيجة مخاوف المستثمرين من أن تؤدي هذه السياسات إلىركود عالمييضرب الطلب على الطاقة.

رابعًا: التأثير المباشر للتعريفات على قطاع الطاقة

رغم أن التعريفات لم تُفرض مباشرة على النفط الخام، فإن تأثيرها على الصناعات المرتبطة به كان ملحوظًا:

1.انخفاض صادرات النفط الأمريكي إلى الصين:
خلال فترة الحرب التجارية، فرضت الصين تعريفات انتقامية على بعض المنتجات الأمريكية، وأوقفت مؤقتًا شراء النفط الخام من الولايات المتحدة، مما تسبب في تراكم المخزون وتراجع الأسعار في الأسواق الأمريكية، وقلّص من فرص التوسع في الأسواق الآسيوية.
2.انخفاض استثمارات الطاقة:
نتيجةً للقلق من تقلبات السوق وعدم اليقين السياسي، أرجأت شركات الطاقة العالمية خططها الاستثمارية، خاصة في مشاريع طويلة الأجل مثل الحقول البحرية وخطوط الأنابيب. وهذا خلق حالة من الجمود، أثّرت على الأسعار، وأدت إلى تقلبات في المعروض.
3.اضطراب سلاسل التوريد في قطاع المعدات النفطية:
العديد من معدات التنقيب والتكرير يتم تصنيعها في دول متعددة. فرض تعريفات على الصلب والألومنيوم مثلاً رفع تكلفة هذه المعدات، ما زاد من تكاليف الإنتاج وأثّر على الجدوى الاقتصادية لبعض المشاريع.

خامسًا: رد فعل الأسواق وأسعار النفط

أسواق النفط تُسعّر الأصول بناءً علىالتوقعات المستقبليةأكثر من المعطيات الحالية. خلال فترات تصاعد الحرب التجارية، انخفضت أسعار خام برنت وخام غرب تكساس الوسيط (WTI) بفعلتراجع الثقة في النمو العالمي، على الرغم من أن التوازن بين العرض والطلب لم يكن بالضرورة مختلاً بشكل حاد. في 2019، على سبيل المثال، فقدت أسعار النفط أكثر من 20% في بعض الفترات بسبب الأخبار المتعلقة بفرض تعريفات جديدة.

سادسًا: سلوك أوبك وتحالف أوبك كرد فعل

مع انخفاض الأسعار بسبب تراجع الطلب، تدخلتمنظمة اوبكوتحالف "أوبك " مرارًا لتعديل مستويات الإنتاج في محاولة لاستقرار السوق. وقلّصت هذه المجموعة إنتاجها على مراحل، وهو ما ساعد على دعم الأسعار نسبيًا، لكن استمرار عدم اليقين التجاري جعل من الصعب الحفاظ على مستويات سعرية مستقرة.

سابعًا: التأثيرات طويلة الأجل

رغم أن بعض التعريفات تم رفعها لاحقًا أو تجميدها، فإن تأثيرها لا يزال حاضرًا على المدى الطويل:

تحول سلاسل التوريد:بدأت العديد من الشركات بنقل عملياتها من الصين إلى دول أخرى، مما غيّر مسارات التجارة وطرق نقل الطاقة.
زيادة في الحمائية العالمية:دفعت سياسات التعريفات العديد من الدول إلى اعتماد نهج حمائي مشابه، وهو ما زاد من تجزئة الاقتصاد العالمي، وخلق مناخًا أكثر تقلبًا لأسواق النفط.

لم تكن أسعار النفط بمنأى عن تداعيات السياسات التجارية الأمريكية، خاصة التعريفات الجمركية التي فُرضت منذ عام 2018. فبينما لم تُفرض هذه الرسوم مباشرة على النفط الخام، إلا أن تأثيراتها الاقتصادية الشاملة – من تباطؤ النمو العالمي، وتراجع الاستثمارات، وتعطل سلاسل التوريد – انعكست بوضوح على سوق النفط وأسعاره. تُظهر هذه التجربة أن سوق النفط بات أكثر تداخلاً مع السياسات الاقتصادية العالمية، وأن أي تغير في التجارة الدولية يمكن أن يُحدث هزات سريعة في أسعار الطاقة. لذا، فإن الفهم العميق لهذه الروابط أصبح أمرًا ضروريًا لصناع القرار والمستثمرين في سوق النفط العالمي.