آخر تحديث :الخميس-04 سبتمبر 2025-02:45ص
أدب وثقافة

نافذة على الزمن الجميل (قصة قصيرة)

الأحد - 20 يوليو 2025 - 03:41 م بتوقيت عدن
نافذة على الزمن الجميل (قصة قصيرة)
بقلم / محفوظ كرامة

كانت الشمس تلامس نوافذ مدير مكتب الإعلام في محافظة ابين د: يأسر باعزب، حين جمعتني الصدفة بالدكتور الخضر الفاطمي، بعد غياب طويل.

كان المكان يعج بأحاديث الحياة اليومية، لكن شيئًا في وجه الدكتور الفاطمي دعا إلى الحديث عن الماضي، عن جعار... تلك المدينة التي لا تزال حيّة في ذاكرته.


قال الدكتور الفاطمي وهو يسند رأسه بيده ويتأمل بعيدًا: "كنت صغيرًا، حين نزلت من قريتي الريفية إلى مدينة جعار لألتحق بالدراسة.

لا أنسى كيف أسرتني أجواؤها: ود الناس، ألفتهم، لا ضغينة ولا كراهية، وكأنهم عائلة واحدة."


كان حديثه يشبه حكاية تُروى على ضوء فانوس قديم.

استرسل قائلاً : في خمسينيات القرن الماضي كانت المديتة تزخر بالحياة، فسيفساء من أطياف المجتمع اليمني تلتقي في شوارعها، والضجيج الصاخب ينبض من محطة (أبين بورت) ميناء ابين.

التي أنشأتها بريطانيا كأول استثمار زراعي في دلتا أبين.


تخيلت تلك اللحظات وأنا أستمع إليه.. صباحات المدينة، ونحن نخرج من البيوت متجهين إلى المدرسة، تنبعث روائح السمن والخبز من النوافذ، وتخترق الأذان أنغام إذاعة عدن: "يا حبيبي يسعد صباحك" أو "هيب هيب بالباكر" "صباح الخير من بدري امانه شلها ياطير"، كلمات تُعلن بداية يوم جديد بكل دفء الحياة.


سألني الدكتور الفاطمي، والحماس يلمع في عينيه: "أليست تلك أيامًا تستحق أن تُدوّن؟

أن تُروى للأجيال؟"

أجبته بابتسامة: "بالتأكيد، وربما هذا ما يعمل عليه الأستاذ الكاتب والأكاديمي محمد ناصر العولقي، فهو يحمل أرشيفًا مليئًا بصور المدينة وتاريخها."


نظر إليّ طويلًا، ثم قال هامسًا: "المدينة التي علمتنا المحبة، يجب أن تبقى حيّة في ذاكرة التاريخ... وفي القلب."

انتهى لقاؤنا العابر وافترقنا.. ولكن لم تنته ذكرياتنا الجميلة التي حفرت اخاديد في وجداننا منذ سنوات طويلة ومازالت ذكراها تجددت بكل لقاء بالاحبة لتذكرنا بماضي جميل انقضى بكل مافيه الا ما اختزن في رفوف الذاكرة الفردية ولا سبيل الى اعادته.