خرقت اتفاق الوساطة المجتمعية، وعاودت قصف أحد الأحياء السكنية، بمحافظة البيضاء، وسط البلاد؛ ما أدى لاندلاع مواجهات جديدة مع المسلحين القبليين، وأسفر عن سقوط قتلى وجرحى من الطرفين.
وقالت مصادر قبلية إن الحوثيين اختطفوا عدة أشخاص من أبناء حي "الحفرة" برداع، شمالي غرب المحافظة، مطلع الأسبوع الجاري، بينهم شخصيات اجتماعية، وقاموا بالاعتداء الجسدي واللفظي عليهم، في انقلاب على اتفاق التهدئة الذي توصلت إليه مشائخ قبلية ووجاهات مجتمعة.
وبحسب المصادر، فإن خرق الاتفاق من قبل الحوثيين، أدى إلى اندلاع مواجهات عنيفة مع المسلحين القبليين من أهالي حيّ "الحفرة"، أسفرت عن مقتل شخصين وإصابة آخرين من كلا الطرفين، فيما قصف الحوثيون الحيّ المأهول بمختلف أنواع الأسلحة المتوسطة.
وأشارت المصادر إلى استمرار الحصار الذي تفرضه ميليشيا الحوثي على حيّ "الحفرة" منذ أيام، وسط إجراءات تمنع نقل المصابين إلى مستشفيات المدينة، لتلقي الإسعافات، ووصول الإمدادات الغذائية للحيّ.
وذكرت أن لجنة الوساطة المجتمعة، كانت توصلت إلى اتفاق للتهدئة بين الطرفين، ينصّ على تسليم الأهالي لعدد من المطلوبين من قبل الحوثيين، على أن تقوم الميليشيا بسحب آلياتها العسكرية وفكّ الحصار على حيّ "الحفرة" ووقف انتشارها العسكري في مدينة رداع.
ووفق المصادر، فإن الأهالي التزموا من جهتهم بالاتفاق، وقاموا بتسليم 10 أشخاص من المطلوبين، على أن يتم إطلاق سراح من لم تثبت إدانته، بضمانة الشخصيات الوسيطة، غير أن الحوثيين استمروا في محاصرة الحيّ، ورفعوا قائمة جديدة بمطلوبين آخرين، ونشروا المزيد من عناصرهم على أسطح البنايات المرتفعة، بدلًا من سحب القوات.
* جرائم مستمرة
في غضون ذلك، نجا الشيخ القبلي، أحمد صالح الحطام وأبناؤه، من محاولة اغتيال نفذها قنّاصة ومسلحو الحوثيين المنتشرون أعلى المباني المرتفعة وسط مدينة رداع.
ووفقًا لتقارير وسائل إعلام محلية، فإن عناصر الحوثيين أطلقوا النار بكثافة على موكب الشيخ الحطام، في محاولة لتفجير الموقف؛ ما تسبب بأضرار في السيارات، دون تسجيل أي إصابات بشرية.
ومنذ سيطرة الحوثيين على محافظة البيضاء في العام 2015، تمارس الميليشيا جرائم وانتهاكات مروّعة بحق الأهالي والمجتمعات القبلية في المحافظة، نالت المديريات الشمالية الغربية الجزء الأكبر منها؛ ما أدى إلى مقتل العشرات، قضى أبرزهم في عملية تفجير الحوثيين لمنزلي شخصين مطلوبين برداع، في العام 2023؛ ما أدى إلى انهيار المنازل المجاورة، ومقتل نحو 20 يمنيًّا وإصابة العشرات، بينهم نساء وأطفال.
* خصومة تقليدية
ويقول مستشار محافظ البيضاء لدى الحكومة الشرعية، أحمد الصريمة، إن اعتداءات الحوثيين المتكررة على قبائل رداع وقيفة، "منهجية وتهدف إلى خلق مجتمع قبلي مجرّد من قيمه وثقافته وقناعاته ومعتقداته الأصلية، وهو ما ترفض القبائل الخضوع له والتماهي مع المشاريع الاستعلائية والجرائم والتعسفات الحوثية".
وأضاف أن الحوثيين يرون في أهالي مناطق رداع وقيفة بالبيضاء، خصمًا تقليديًّا، على خلفية مناهضتهم للدولة الإمامية في شمال البلاد، واستعصائهم التاريخي عليها، ودورهم الفعّال في ثورة الـ26 من سبتمبر عام 1962 التي أطاحت بالحكم الملكي السلالي، وأدت إلى قيام الدولة الجمهورية.
وأشار الصريمة، إلى أن قبائل المنطقة الوسطى، متمسكون بمعتقداتهم، ويشتهرون بطبيعتهم العصيّة على الانكسار، وبالتالي فإن الحوثيين حريصون على إخضاعهم وكسر إرادتهم، مستغلين وضع الهدنة في البلد وتوقف العمليات العسكرية ضدهم.
وتابع أن لدى الحوثيين قلقًا متزايدًا من دور مستقبلي مقاوم لقبائل البيضاء، ضد مشروع الميليشيا الامتدادي للدولة الإمامية؛ ما يجعلهم يسعون باستمرار إلى إخضاعهم ونزع أسلحتهم، في محاولة لتأمين مناطق سيطرتهم الداخلية.
* عواقب اجتماعية
من جهته، حذّر المدير التنفيذي لـ"المركز الأمريكي للعدالة" لرصد انتهاكات حقوق الإنسان، عبدالرحمن برمان، من عواقب انتقامية لممارسات الحوثيين بحق المدنيين، تؤدي إلى اضطراب السلم والأمن الاجتماعي لفترات طويلة.
وقال برمان إن اليمنيين عادة لا يقبلون الظلم والضيم الواقع عليهم بشكل عام، في حين أن الانتهاكات التي يمارسها الحوثيون، ينفذها أشخاص يعرفهم المجتمع المحلي جيدًا، وهو ما يقود إلى عمليات انتقام واسعة، تكرّس ثقافة الثأر وسفك الدماء.
وأكد أن العديد من المحافظات الواقعة تحت سيطرة الميليشيا، سبق أن شهدت عمليات انتقامية من قبل أبناء القبائل، ضد قيادات أمنية حوثية، ردًّا على جرائم القتل والسطو على ممتلكات المدنيين، في ظل غياب الدولة ومنظومتها العدلية المحايدة