آخر تحديث :الجمعة-01 أغسطس 2025-03:10ص
العالم من حولنا

لماذا تعيد التغيّرات المناخية والحروب إحياء الاهتمام بالطاقة النووية؟

الخميس - 31 يوليو 2025 - 11:44 ص بتوقيت عدن
لماذا تعيد التغيّرات المناخية والحروب إحياء الاهتمام بالطاقة النووية؟
(عدن الغد): متابعات خاصة


دفعت كارثة فوكوشيما النووية عددًا من الدول، من بينها سويسرا، إلى التخلّي عن إنتاج الطاقة الذرّية. لكن أعادت الحاجة المتزايدة إلى تأمين مصادر طاقة موثوقة ونظيفة، في ظل تفاقم ظاهرة الاحتباس الحراري، فتح ملف الطاقة النووية مجددًا، وجعلته عنصرًا محوريًا في أجندات بعض الحكومات الباحثة عن حلول طويلة الأمد لأزمة الطاقة العالمية.


في عام 2011، وقعت واحدة من أخطر الكوارث في تاريخ الصناعة النووية، وذلك في محطة فوكوشيما اليابانية. وقد أدّى هذا الانفجار الكارثي إلى انبعاث كميات هائلة من الإشعاعات، وأجبر أكثر من 150 ألف شخص من الرجال والنساء على إخلاء منازلهم.نّ والنزوح إلى مناطق بعيدة، تاركين.ات خلفهم.هنّ حياة كاملة.


مثّل هذا الحدث المفصلي منعطفًا حاسمًا في سياسات الطاقة لدى عدد من الدول، إذ جاء في أعقاب غضب شعبي عارم، أظهر مدى قلق السكان من مخاطر الطاقة النووية، ما دفع الحكومات إلى إعادة تقييم شروط الأمان والسلامة في منشآتها النووية. وبناءً على ذلك، قررت كل من سويسرا وألمانيا، اعتماد نهج الإغلاق التدريجي لمفاعلاتها، في ما أعادت دول أخرى مثل بلجيكا وتايوان، تأكيد التزامها بالتخلي التام عن هذه التكنولوجيا عالية المخاطر.


لكن اليوم، وبعد مرور قرابة خمسة عشر عامًا على كارثة فوكوشيما، بدأ ما يُشبه “العودة الهادئة” للاهتمام بالطاقة النووية يطلّ برأسه من جديد. ويعود هذا التوجه جزئيًا إلى التحديات المناخية والجيوسياسية المتفاقمة، إذ يجري حاليًا تشييد محطات نووية في مناطق متعدّدة من العالم، بينما تستعد حكومات عدّة، من بينها اليابان نفسها، لإحياء برامجها في مجال الطاقة الذرّية، كجزء من استراتيجياتها المستقبلية.


لماذا تُعيد بعض الدول النظر في سياساتها النووية؟

أدّت الأزمات الجيوسياسية الدولية، مثل الحرب في أوكرانيا والصراعات في الشرق الأوسط، إلى إثارة تساؤلات حول أمن إمدادات الطاقة. فلم تعد الدول المستوردة للنفط والغاز، قادرة على الاعتماد على مصادر التوريد التقليدية كما في السابق، وتبحث اليوم عن بدائل أكثر استقرارًا. ومن ذلك، تخطّط المفوضية الأوروبية لحظر استيراد الغاز الروسي إلى دول الاتحاد الأوروبي بشكل كامل، بحلول نهاية عام 2027.


ويمثّل تزايد استهلاك الكهرباء تحديًا إضافيًا في هذا السياق. فالمركبات الكهربائية، والمضخات الحرارية، ومراكز البيانات باتت تحتاج إلى كميات كبيرة من الطاقة، وهي احتياجات لا تستطيع مصادر الطاقة المتجددة، رغم أهميتها، تلبيتها دائمًا بشكل موثوق.


ثم هناك تغيّر المناخ. فإنتاج الكهرباء بالطاقة النووية يولّد كميات ضئيلة جدًا من ثاني أكسيد الكربون مقارنة بالوقود الأحفوري. ولهذا السبب، ترى الوكالة الدولية للطاقة أن الطاقة النووية تُشكّل عنصرًا أساسيًا في الاستراتيجيات العالمية الرامية إلى إزالة الكربونرابط خارجي.


وفي تقرير حديث رابط خارجيصادر عن الأكاديمية السويسرية للعلوم الطبيعية (SCNAT)، تمّ تعداد مزايا الطاقة النووية: فهي توفّر كهرباء منخفضة الانبعاثات، وتتطلب حيّزًا صغيرًا وموارد مادية قليلة لكل كيلوواط ساعة يتم إنتاجه، كما تؤمّن الإمداد الكهربائي باستمرار، بغضّ النظر عن الظروف الجوية.


ما هي الدول الممتلكة لمحطات طاقة نووية؟

تنتج 32 دولة، أي ما يعادل تقريبًا واحدة من كل ست دول في العالم — جزءًا من كهربائها من الطاقة النووية. وبحسب أحدث إحصاءاترابط خارجي الرابطة العالمية للطاقة النووية (WNA) في يونيو 2025، هناك 439 مفاعلًا نوويًا قيد التشغيل حاليًا على امتداد القارات.


ويقع ما يقرب من نصف هذه المفاعلات في ثلاث دول هي الولايات المتحدة، وفرنسا، والصين، وهي أيضًا من أكبر المنتجين العالميين للكهرباء النووية. وتساهم الطاقة النووية بنسبة 9%رابط خارجيمن إجمالي إنتاج الكهرباء على المستوى العالمي بشكل عام.


وفي سويسرا، توجد ثلاث محطات نووية تضم أربعة مفاعلات عاملة “بيزناوI ” (Beznau I) و”بيزناو II ” (Beznau II) و “غوسغن” (Gösgen) و “ليبشتاد” (Leibstadt) . وقد بلغ إنتاج هذه المحطات نحو 23 تيراواط ساعة من الكهرباء خلال عام 2024، أي ما يعادل 28% من إجمالي الإنتاج الوطني.


ما هي الدول التي تبني محطات طاقة نووية؟

بحسب الرابطة العالمية للطاقة النووية (WNA)، هناك أربع وعشرون دولة تخطّط لبناء مفاعلات نووية أو بدأت فعليًا في إنشائها. وتعتزم الصين وحدها، تشغيل 76 محطة نووية جديدة، خلال السنوات الخمسة عشر المقبلة. أما مصر، وتركيا، وبنغلادش، فتبني كل منها حاليًا أولى محطاتها النووية.


ولقد تعهّدت قرابة ثلاثين دولة، من بينها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا، بمضاعفة قدرتها على إنتاج الكهرباء النووية ثلاث مرات بحلول عام 2050رابط خارجي، في إطار الجهود المبذولة لتحقيق الحياد الكربوني. كما تنظر دول نامية في آسيا وأفريقيا، مثل رواندا ونيجيريا، في خيار الطاقة النووية لتنويع إنتاج الكهرباء وزيادته.


كما دفعت أهداف الاتحاد الأوروبي المناخية الطموحة دولًا مثل بلجيكا وإيطاليا، التي كانت قد أغلقت محطاتها النووية في أواخر الثمانينيات، إلى إعادة النظر في مواقفها السابقة من الطاقة النووية. ففي مايو الماضي، تخلّت بلجيكا رسميًا عن خططها للخروج من الطاقة النووية.


أمّا ألمانيا، فقد أوقفت تشغيل آخر مفاعلاتها النووية في عام 2023، لكن قد تعيد الحكومة الجديدة النظر في العودة إلى هذا الخِيار. وتسعى الدنمارك إلى تحليل فوائد التقنيات النووية الجديدة المحتملة، والنظر في إمكانية رفع الحظر المفروض منذ أربعين عامًا.


ورغم حادثة فوكوشيما، قررت اليابان الاعتماد مجددًا على الطاقة النووية رابط خارجي من أجل تحقيق أهدافها المتعلقة بخفض الانبعاثات. وقد تشهد تايوان أيضًا عودة للطاقة النووية، رغم إنهائها مؤخرًا خطة الانسحاب المُطلَقة عام 2016. ومن المقرّر تنظيم استفتاء وطني في 23 أغسطس، حول إعادة تشغيل مفاعل “مانشان” (Maanshan) الموقَف تشغيلُه في مايو الماضي.


هل تُعدّ محطات الطاقة النووية الجديدة أكثر أمانًا مما كانت عليه قبل 15 عامًا؟

تُصنَّف غالبية المحطات النووية الجاري بناؤها حول العالم ضمن الجيل الثالثرابط خارجي، وهي، بحسب الأكاديمية السويسرية للعلوم الطبيعية (SCNAT)، أكثر أمانًا بما يتراوح بين عشر إلى مئة مرة مقارنة بالمفاعلات القائمة حاليًا، التي تنتمي بمعظمها إلى الجيل الثاني. فعلى سبيل المثال، تتمتّع هذه المفاعلات الحديثة بقدرة على التبريد الذاتي من دون الحاجة إلى مصدر طاقة خارجي، ميزة لم تكن متوفرة في مفاعل فوكوشيما، حيث أدّى فشل أنظمة التبريد بعد انقطاع الكهرباء إلى انصهار قلب المفاعل، وتسرب مواد مشعة، ما تسبب في كارثة نووية واسعة النطاق.


أما مفاعلات الجيل الرابعرابط خارجي، فلا تزال في طور النماذج التجريبية، لكنها تُبشّر بتطورات نوعية. إذ يُمكن تشغيلها بوقود بديل مثل الثوريوم، أو نفايات المفاعلات القديمة، كما تعتمد أنظمة تبريد مختلفة لا تستخدم الماء، بل الغازات أو المعادن السائلة. ومع ذلك، تشير الأكاديمية إلى أن هذا النوع من المفاعلات لا يزال يواجه تحديات كبيرة من حيث التطوير التقني والجدوى الاقتصادية.


لكن لا تقتصر الاعتبارات على الجوانب التقنية فقط؛ إذ تُشدّد جهات بحثيةرابط خارجي على ضرورة تعزيز ثقافة الأمان النووي، وتعزيز التعاون الوثيق بين الدول والهيئات الرقابية المستقلّة، باعتبار ذلك عنصرًا محوريًا لضمان سلامة التشغيل النووي في المستقبل.


هل ستبني سويسرا محطة طاقة نووية جديدة؟

بعد أسابيع قليلة من حادثة فوكوشيما، صاغت الحكومة السويسرية استراتيجية الطاقة الوطنية 2050، الناصّة على الإغلاق التدريجي للمفاعلات النووية القائمة، وحظرت في الوقت ذاته بناء محطات نووية جديدة. وقد صادق الشعب السويسري على هذه الاستراتيجية في الاستفتاء الجاري عام 2017.


لكن اليوم، عاد النقاش حول بناء محطات نووية جديدة ليحتل موقعًا مركزيًا في الساحة السياسية السويسرية.


ففي إطار المقترح الذي قدّمته الحكومة بديلا للمبادرة الشعبية “أوقفوا انقطاع الكهرباء” (Stop Blackout)، وهي مبادرة تدعو إلى السماح بجميع أشكال إنتاج الكهرباء الصديقة للمناخ، سعت الجهات المعنية إلى تعديل قانون الطاقة النووية. والغاية من ذلك هي الإبقاء على خيار بناء محطات نووية جديدة مفتوحًا، في حال لم تكن الطاقات المتجددة كافية لتأمين احتياجات البلاد من الكهرباء.


وقد صرّح وزير الطاقة، ألبرت روشتي، في 8 يوليو قائلًا: “آمل أن يُحذف الحظر المفروض على استخدام الطاقة الذرّية من قانون الطاقة النووية الفدرالي”.


ويُشير تقريررابط خارجي نُشر عام 2023 عن مركز علوم الطاقة التابع للمعهد التقني الفدرالي العالي في زيورخ (ETH) إلى أن الطاقة النووية قد تمثّل وسيلة لضمان أمن الإمدادات الكهربائية في مستقبل يطمح إلى الحياد الكربوني. إلا أن مدة البناء وتكاليف تشييد محطات نووية في سويسرا تبقى غير محسومة.


وتقدّر الأكاديمية السويسرية للعلوم الطبيعية (SCNAT)، أن بناء محطة نووية سيستغرق ثماني سنوات على الأقلّ، وهي مدة أقصر بكثير من السنوات الست عشرة المُتطلَّبة لبناء محطة “أولكيلوتو” في فنلندا، الداخلة للخدمة عام 2023. أما شركة كهرباء فرنسا (Électricité de France)، فقد أنجزت مفاعلَيْن لمحطة “تايشان” في الصين، خلال تسع سنوات فقط.


لكن تحذّر الأكاديمية السويسرية للعلوم الطبيعية أيضًا، من عدم إمكانية إتمام أي مشروع بناء في سويسرا دون المرور بمسار سياسي طويل ومعقّد، وقد يتعثّر في أي مرحلة من مراحله، سواء برفض المبادرة الشعبية أو المقترح الحكومي البديل، أو بفعل اعتراضات من السكان أو السلطات المحلية على منح تراخيص البناء.


وقد لخّص الباحث يواخيم ماركارد، العامل بالمعهد التقني الفدرالي العالي (ETH) وجامعة زيورخ للعلوم التطبيقية (ZHAW)، الوضع بقوله: “يظلّ كل قرار في هذا المجال محفوفًا بدرجات متفاوتة من الغموض، سواء على الصعيد السياسي أو الاقتصادي أو التقني”. وبحسب تقديرات الأكاديمية السويسرية للعلوم، لن تكون أي محطة جديدة موصولة بشبكة الكهرباء قبل عام 2050، على أقرب تقدير.