ثورُ الثورةِ أم جَرحُ الأمةِ؟
كلمات: م/فضل علي مندوق
يا ثورُ، يا وهْمَ الجموعِ وكيدَها
منقوشٌ في نَفَسِ الحشدِ المقيدِ
ما كنتَ إلا زَيفَ صَوتٍ خادعٍ
يرنو إلى وَهْمِ الصُّمودِ ويحتشدِ
هل كنتَ تُغني عن سنينِ مذلّةٍ
أم كنتَ دجّالَ الوعودِ المتّقدِ؟
أشعلتَ نارَكَ في القلوبِ، فصِرْتَ
نارًا لا تَرُدّ ولا تَزودُ على أحدِ
خُدعَ البُسطاءُ بمَخرَجٍ منكوسِ
رأسٍ في جُحورٍ بلا سُنودِ ولا سندِ
قلنا ثَورةٌ، فغدَتْ خرابًا، واستوى
المقتولُ بالقاتلِ العَنودِ المعتدِ
يا من حملتَ قرونَكَ العمياءَ في
أرجاءِ بؤسِ المستَفيدِ من الكمدِ
فتركتَ أرضَك للذئابِ تَغوصُ في
لَحمِ الضعيفِ المُهانِ المُضطهدِ
كم من بكاءٍ في الدُّجى ناحَتْ به
الأُمُّهاتُ على الرُّقودِ بلا سندِ
وطفولةٍ بانتْ على أطلالِها
تَبكي الجُراحَ على الجُدودِ بلا أبدِ
أيُّ انتصارٍ تدّعيه، وها هُمُ
الأقوامُ في حَبسِ القيودِ إلى الأبدِ؟
ما بينَ جلّادٍ تَحوَّلَ ثائِرًا
وشريدِ فكرٍ في الجحودِ وفي الكمدِ
هل صرتَ خيرًا من "بقرةٍ" كانتْ
تُدرُّ الخيرَ في زمنٍ شرودٍ مُرتعدِ؟
ما بَينَ مُستبدٍّ له تاجُ الهوى
ومُقاتلٍ صَبغَ البلادَ بذاك سودِ
ضاعتْ كرامتُنا، وكُنّا أُسدًا،
واليومَ نخشَى من قرودٍ في البلدِ
يا ثورُ، يا رمزَ الخديعةِ والضلالِ،
ويا دليلَ المُستَفِيدِ من الجَدَدِ
ما كنتَ إلا طلقةً في صدرِنا،
تُبقي الضغائنَ في الصدودِ بلا مددِ
كم من صديقٍ صارَ خصمًا بعدكَ
الدامي، وخصمٍ صارَ فينا كالشهودِ
باعوا القضيّةَ بالحناجرِ والمزادِ،
وذُبِحتْ مبادئنا الجُدودِ على الجَدَدِ
يا ثورُ، هل وعيتَ أيَّ جريرةٍ
جلبتَها؟ فالعقلُ فيكَ هو المفقودُ للأبدِ
كُنّا نُصلِّي للوَطَنْ، واليومَ
نَعبدُ ظلَّ قاطعنا الجَحودِ المُقعدِ
قد كانَ مَن قبلكَ حكامًا، وإن
ظُلموا، فالبَلدُ لهم كعودٍ متقدِ
يُعطي، ويَسقي، لا يُقَطِّعُ أرْضَهُ،
ولا يُبيدُ نسلَ البنودِ بلا عددِ
فأينَ مسراكَ؟ وأينَ شعارُكَ المُدَّعى؟
وأينَ ذاكَ العهدُ الموعودُ للغدِ؟
أم كنتَ طاغيةً بثوبِ مُحاربٍ،
لا فرقَ بينكَ والحقودِ من الجَرَدِ؟
هل صارَ حُكمُ العَسكَرِ الفتّانِ
خيرًا من قديمٍ فيهِ سُجودُ للرَّشَدِ؟
أم أنّكم كنتمْ عبيدًا للحِبالِ
تُقادُ في ضَوْءِ الوقودِ إلى اللّبدِ؟
حُكّامُكم كانوا كِرامًا إنْ قصُروا،
ما خانوا شرفَ العهودِ بلا عُدُدِ
واليومَ كلُّ فتىً يُنادي بالمَبادئِ،
وهوَ كاهنُها الحقودُ بلا رَغَدِ
باعوا الشعوبَ بحجّةِ التحريرِ،
والأنفاسُ تُذبحُ بالصُّدودِ من الجَحَدِ
وتراكَ ترقصُ في المذابحِ، لا
تُبالي بالقَتيلِ ولا الشُّهودِ من اللَّبدِ
كأنك ثورٌ قد عصى حاديَ الرُّبى
فأوردَ خيلَ القومِ مهلكةَ الأبدِ،
تنادي ولا تلقى صدىً أو مُفتدى
ولا ظلَّ يُغنيكَ عن لظى الكبدِ
فما بينَ نُصرةِ غادرٍ متلفِّعٍ،
والذِّرعِ ناعمِ الكفِّ، والوجهِ المُردِّ،
ضياعٌ حلَّ في سهلِ الخياناتِ التي
ما عادَ يُجديها الدواءُ ولا السَّددِ،
فيا ثورَ حلمٍ قد جررتَ ويلاتِنا،
متى تستفيقُ من الطغاةِ ومن جُحُدِ؟
يا ثورُ، يا ثوبَ الفجيعةِ والردى،
يا قيدَ مَن أرادَ الصعودَ إلى الجَدَدِ
أعِدْ لنا وجهَ البلادِ كما نَعرفهُ،
وجهًا به مجدُ الجدودِ مع السَّعدِ
أم أنكَ الموتُ المُؤجَّلُ في الرؤى،
والآنَ جاءَك يومُ حُدودِك في الجَحَدِ
خيرٌ لنا ذُلُّ العطاءِ، منكَ يا
ثورَ الدماءِ بلا وجودٍ أو رغ