آخر تحديث :الإثنين-04 أغسطس 2025-02:37م
إقتصاد وتكنلوجيا

هل تنجح "الهندسة الجديدة" في ترويض عطش رقائق الـ AI للطاقة؟

الإثنين - 04 أغسطس 2025 - 11:56 ص بتوقيت عدن
هل تنجح "الهندسة الجديدة" في ترويض عطش رقائق الـ AI للطاقة؟
(عدن الغد): متابعات خاصة


في خضم التحوّل العالمي نحو مستقبل تُهيمن عليه نماذج الذكاء الاصطناعي المتقدمة، تتصاعد المخاوف في الأوساط العلمية من الكلفة الطاقوية الباهظة التي تتطلبها هذه التكنولوجيا، خصوصاً أن هذه المخاوف لم تعد مجرد تقديرات نظرية، بل تؤكدها بيانات دقيقة.


فبحسب تقديرات المنتدى الاقتصادي العالمي، فإنه من المتوقع أن ينمو استهلاك الكهرباء المرتبط بالذكاء الاصطناعي بنسبة 50 في المئة سنوياً حتى عام 2030، وهو معدل يعتبره خبراء التكنولوجيا في وادي السيليكون غير مقبول على الإطلاق، نظراً لما قد يفرضه من ضغوط غير مسبوقة على شبكات الكهرباء العالمية.


وفي وقت تتسابق فيه الحكومات وشركات تطوير الذكاء الاصطناعي، لمواكبة الطلب المتزايد على الكهرباء، عبر بناء محطات توليد جديدة، أو إعادة تشغيل مفاعلات نووية متوقفة، يتجه مهندسون ورواد تقنيون إلى مسار مغاير تماماً، يتمثل بتصميم رقائق إلكترونية تستهلك طاقة أقل، وذلك بدلاً من الاستمرار في رفع إنتاج الطاقة.


كم تستهلك رقاقات الذكاء الاصطناعي من الكهرباء اليوم؟

ولفهم حجم التحدي الذي تفرضه طفرة الذكاء الاصطناعي على البنية التحتية للطاقة، يكفي النظر إلى واحدة من أشهر الرقائق المستخدمة حالياً وهي NVIDIA H100، حيث أن كل رقاقة من هذا النوع تستهلك ما بين 700 و800 واط عند التشغيل الكامل.


وبما أن تشغيل نموذج ذكاء اصطناعي كبير مثل GPT-4 يتطلب عشرات الآلاف من هذه الشرائح في وقتٍ واحد، فإن حجم استهلاك الكهرباء عندها، يمكن أن يتخطى الـ 20 ميغاواط، بحسب تقديرات شركة SemiAnalysis، أي ما يعادل كمية الطاقة التي تحتاجها مدينة صغيرة في بعض البلدان.


وفي ضوء هذه المعطيات، فإن تصميم رقائق موفرة للطاقة لم يعد ترفاً هندسياً، بل ضرورة استراتيجية لضمان أن لا تتحول ثورة الذكاء الاصطناعي إلى عبء كارثي على البنية التحتية العالمية.


هندسة جديدة لتقليل فاتورة الطاقة

وفي ظل القلق المتزايد من استهلاك الذكاء الاصطناعي للطاقة، بدأت شركات ناشئة وشركات تكنولوجية كبرى تدعم تطوير جيل جديد من رقائق المعالجة، يستهلك طاقة أقل بكثير من الرقائق التقليدية، وما يميز هذه الرقائق الجديدة هو أنها مصمَّمة خصيصاً لمهام الذكاء الاصطناعي، بدلاً من اعتماد تصميمات عامة متعددة الأغراض مثل تلك التي تنتجها إنفيديا.


وإحدى الطرق الجديدة التي يتم اعتمادها في تطوير الرقائق الموفّرة للكهرباء، هي دمج وحدات الذاكرة مباشرة داخل الرقاقة نفسها، مما يقلل من حاجة الرقاقة لنقل البيانات ذهاباً وإياباً إلى وحدات ذاكرة خارجية، وهي عملية تستهلك طاقة كبيرة وتبطئ الأداء.


كما أن بعض الشركات بدأت بتصميم رقائق تؤدي مهمة واحدة فقط، وهي إنتاج الإجابات من نماذج الذكاء الاصطناعي، بدلاً من أداء مهام متعددة، حيث أن هذا التخصص يجعل الرقاقة أسرع في عملها وأقل استهلاكاً للكهرباء.


التخلص من ضريبة إنفيديا

وبحسب تقرير أعدته "وول ستريت جورنال"، واطّلع عليه موقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، فإنه لتحقيق أهدافهم، يستخدم مُصنِّعو رقائق الذكاء الاصطناعي الجديدة، استراتيجية إعادة تصميم رقائقهم من الصفر، وتخصيصها فقط لفئة جديدة من المهام.


فبحسب التقرير، هناك حالياً ما لا يقل عن 12 شركة ناشئة في مجال انتاج الرقائق الجديدة منها شركة Groq و Positron، حيث تتنافس جميع هذه الشركات على بيع رقاقات "الاستدلال" المصممة خصيصاً لمقدمي خدمات الحوسبة السحابية الخاصة بالذكاء الاصطناعي. ورقاقات "الاستدلال" هي شرائح إلكترونية تؤدي مهمة واحدة فقط، تتمثل بتحليل البيانات بسرعة كبيرة، لإعطاء نماذج الذكاء الاصطناعي القدرة على إنتاج ردود فعل، مثل الإجابة على الأسئلة أو إتمام المهام، ما يجعلها أسرع وأقل استهلاكاً للطاقة من الرقاقات التقليدية التي تقوم بأداء مهام متعددة.


وهناك أيضاً الجهود الممولة جيداً والتي استمرت لسنوات عديدة من قِبل شركات غوغل وأمازون ومايكروسوفت، لبناء رقاقات تركز على تقنية الاستدلال، إذ تُظهر كثافة الجهود لإنتاج نوع جديد من الرقائق، وحجم الاستثمار التراكمي على هذا الأمر، مدى استماتة الشركات التقنية لإنتاج رقائق جديدة، تُمكّنها من تقديم خدمات الذكاء الاصطناعي للمستخدمين من دون دفع "ضريبة إنفيديا"، أي عدم اللجوء لشراء رقائق إنفيديا باهظة الثمن، والتي تحقق للشركة هامش ربح يقارب الـ 60 في المئة.


هل نحن أمام أزمة كهربائية بسبب الذكاء الاصطناعي؟

ويقول ألان القارح وهو محلل وكاتب مختص بالذكاء الاصطناعي، في حديث لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن العالم التقني أمام مشكلة طاقة حقيقية، تتفاقم مع تطور نماذج الذكاء الاصطناعي، فكلما أصبحت هذه النماذج أكثر سرعة وذكاءً، زاد عدد العمليات التي تقوم بها في كل ثانية، لتحليل المعلومات واتخاذ القرارات، وهذا ما يرفع الطلب على الشرائح عالية الأداء، وبالتالي يرفع مصروف الكهرباء، لافتاً إلى أنه عندما يتم استخدام عشرات الآلاف من الشرائح، لتشغيل روبوتات مثل Gemini وChatGPT، تكون الحصيلة استهلاك طاقة، بمعدّل يكفي لتغذية مدن بأكملها، هذا دون التطرق إلى كمية الطاقة التي تستهلكها أنظمة التبريد والبنية التحتية، المساعدة لعمل الرقائق، حيث سيصل حينها معدّل استهلاك الطاقة إلى مستويات تكفي لتغذية دولة بأكملها، وهو ما يفرض على العالم البحث عن حل مستدام لهذه المشكلة.


هل "الهندسة الجديدة" هي الحل؟

ويكشف القارح أن "الهندسة الجديدة" لتصميم الرقائق، يمكن أن تحلّ مشكلة ارتفاع الحاجة للطاقة على مستوى العالم، فحصر عمل الرقائق بتخصص مُعيّن أو حتى دمج الذاكرة بها، يسمح للشريحة الإلكترونية العمل بكفاءة أعلى ما يقلل الفاقد الطاقي، مشيراً إلى أن الفكرة من هذا التحوّل واضحة وسهلة، فعندما يتم تخصيص الرقاقة لأداء مهمة واحدة فقط، يصبح بالإمكان التخلص من الكثير من "الزوائد" التي تستهلك طاقة دون جدوى، مثلما يحدث في الوقت الراهن.


وبحسب القارح فإن إنفيديا حالياً هي اللاعب المهيمن على صناعة الرقائق، بفضل قدرتها على إنتاج شرائح عامة الاستخدام مثل A100 وH100، ولكنها مكلفة جداً وتحقق هوامش ربح فائقة، وبالتالي فإن ما تسعى إليه الشركات الآن هو التخلص من مصروف الكهرباء، إضافة إلى التخلص من احتكار إنفيديا للسوق، ولكن ذلك لا يعني أننا سنرى نهاية إنفيديا على المدى القصير، فخريطة اللاعبين في سوق رقاقات الذكاء الاصطناعي، قد تشهد تحولاً تدريجياً، إلا أن أعمال إنفيديا ستبقى وتستمر، خصوصاً إذا قامت الشركة بمواكبة التوجّه الهندسي الجديد.


هل الحل فعلاً في إعادة التصميم؟

بدوره يؤكد مهندس الاتصالات عيسى سعد الدين، أن الحل الحقيقي والطويل الأمد لمشكلة استهلاك الذكاء الاصطناعي للطاقة، يكمن في إعادة التفكير ببنية الرقاقة من الأساس، فالرقائق التقليدية كانت تُبنى على مبدأ تعدد المهام وتعميم القدرات، ما يجعلها مرنة لكنها غير فعّالة من حيث الطاقة، أما الرقائق الحديثة فتعتمد مبدأ "الغرض الواحد"، أي تصميم شريحة تؤدي وظيفة واحدة باحترافية، وهذا ما يجعلها أقل عطشاً للطاقة، لافتاً إلى أن تطوير رقاقات ذكية منخفضة الاستهلاك، يعني أننا لن نحتاج إلى توسيع الشبكات الكهربائية بنفس الوتيرة التي يتوسع فيها استخدام الذكاء الاصطناعي، وهذا له أثر اقتصادي وبيئي مباشر، ولكن يجب أن نكون واقعيين فهذه الرقاقات الجديدة لا تزال في بداياتها والمنافسة شرسة، كما أن التغيير يحتاج للحصول على دعم وتشجيع حكومي.


هل رقاقات الاستدلال هي المستقبل؟

ويرى سعد الدين أن رقاقات الاستدلال هي بالفعل قلب المرحلة المقبلة، فهي تقوم بجزء واحد من عملية الذكاء الاصطناعي وهي تحليل البيانات والإجابة، وهذا الجزء هو الأكثر طلباً حالياً، سواء من تطبيقات المحادثة أو محركات التوصية أو روبوتات الدعم الفن، مشدداً على أن ما يميّز رقاقات الاستدلال هو أنها تتيح استخدام الذكاء الاصطناعي خارج مراكز البيانات الضخمة، أي في الأجهزة اليومية مثل الهواتف الذكية أو الكاميرات أو حتى روبوتات خدمة العملاء، لأنها لا تحتاج إلى طاقة كبيرة أو بنية تحتية معقدة لتعمل، وهذا الأمر بحد ذاته سيشكل ثورة تقنية في هذا المجال.