منذ سيطرتهم على العاصمة صنعاء في سبتمبر 2014، عملت جماعة الحوثي على إعادة صياغة المناسبات الدينية بما يتماشى مع أجندتها السياسية والأيديولوجية. ويأتي المولد النبوي على رأس هذه المناسبات التي تحوّلت من مناسبة دينية روحية إلى وسيلة منظمة للتعبئة والجبايات، ووسيلة لتثبيت السلطة وإظهار القوة في الشارع اليمني.
⸻
في السنوات الأخيرة، أصبح المولد النبوي بالنسبة لجماعة الحوثي فرصة لتعزيز حضورها السياسي والمالي، إذ تفرض على مختلف القطاعات العامة والخاصة مبالغ مالية تحت مسمى “المساهمة في إنجاح الفعالية”. وتشمل هذه الجبايات التجار وأصحاب المحلات، بل وحتى المواطنين العاديين الذين يُلزمون بتزيين منازلهم وشوارعهم، وتُفرض عليهم غرامات إذا لم يلتزموا بتعليمات اللجان المكلفة. هذه السياسات جعلت من المناسبة عبئًا ماليًا ثقيلاً على كاهل السكان في ظل أوضاع اقتصادية متدهورة وانقطاع الرواتب منذ سنوات.
تؤكد شهادات من صنعاء أن جماعة الحوثي تستغل المدارس والجامعات والمكاتب الحكومية لإجبار الموظفين والطلاب على المشاركة في الفعاليات، مع جمع التبرعات تحت شعارات دينية. ولا تقف الجبايات عند المال فقط، بل تمتد إلى فرض حصص غذائية أو سلع عينية، يتم جمعها وتوجيهها لصالح الفعالية. هذه الممارسات تثير استياءً شعبيًا واسعًا، إذ ينظر إليها كثيرون كاستغلال لمناسبة دينية عظيمة لتحقيق مكاسب مادية وسياسية ضيقة.
⸻
من الناحية الدعائية، تضخ الجماعة إمكانيات هائلة في التغطية الإعلامية للمولد النبوي، حيث يتم تحويل المناسبة إلى مظاهرة قوة، تعرض فيها الحوثيون قدرتهم على الحشد الجماهيري. لكن خلف هذا المشهد، تُدار عملية مالية ضخمة لا تخضع لأي شفافية أو رقابة، مما يجعلها مصدرًا إضافيًا لتمويل نشاطات الجماعة، سواء العسكرية أو الدعائية. وبذلك يتحول الحدث من احتفال ديني إلى وسيلة لترسيخ سلطتها وجني الأرباح على حساب معاناة المواطنين.
⸻
ويذهب بعض المراقبين إلى أن الحوثيين جعلوا من المولد النبوي وسيلة لتكريس ثقافة الطاعة والخضوع، حيث يُطلب من الأهالي المشاركة قسرًا، وتُربط الوطنية والدين بمدى التفاعل مع الفعالية. هذه السياسة تستهدف إخضاع المجتمع لسلطة الجماعة وإفراغ الدين من محتواه الروحي، وتحويله إلى أداة سياسية.
⸻
على المستوى الاقتصادي، تُعد هذه الجبايات استنزافًا إضافيًا للسوق التجارية، إذ يضطر التجار لدفع مبالغ كبيرة تحت التهديد أو الإغلاق، الأمر الذي ينعكس مباشرة على أسعار السلع الأساسية. المواطن العادي يجد نفسه محاصرًا بين ارتفاع الأسعار وفرض مساهمات إلزامية، ما يضاعف من أزماته المعيشية في بلد يعيش أسوأ أزمة إنسانية في العالم.
ويرى كثيرون أن المولد النبوي، الذي يُفترض أن يكون مناسبة للسلام والمحبة والتأمل في سيرة النبي، تحوّل في مناطق سيطرة الحوثيين إلى موسم إجباري للتبرعات والجبايات، تُدار بعقلية مالية صارمة لصالح الجماعة. ومع غياب الدولة ومؤسسات الرقابة، يستمر الحوثيون في استغلال هذه المناسبة لتحقيق أهداف سياسية ومالية، ما يجعلها رمزًا لمعاناة اليمنيين تحت حكمهم، بدلًا من أن تكون مناسبة للفرح والروحانية.