(( تخليد اسمه على المضمار الرياضي بحضرموت ))
بداية أناشد القيادة السياسية والرياضية في بلادنا ومحافظة حضرموت بأن يخلد اسمه رياضياً بإطلاق اسم مضمار ألعاب القوى في وادي حضرموت باسم الفقيد عبيد عبود عليان لما قدمه من جهود كبيرة ومضنية طوال عقود طويلة في المجال الرياضي وألعاب القوى على وجه الخصوص والمساهمة برفع اسم حضرموت بالفعاليات الرياضية في بلادنا ورفع اسم الجمهورية اليمنية بالمحافل الرياضية العربية والقارية والدولية، وهذا أقل واجب.
عرفت القامة التربوية والرياضية الأستاذ الراحل عبيد عبود عليان منذ بداية ثمانينات القرن الماضي عندما كان لاعباً بصفوف نادي وحدة تريم، وأتذكر مباراة لعبها نادي وحدة تريم ضد نادي الشرطة بملعب الشهيد جواس بسيئون وفاز الوحدة بثلاثة أهداف لهدفين بعدما كان متأخراً في الشوط الأول، وكان عليان واحداً من أبطال هذه المباراة. وبعدها توالت معرفتي به عند حضوري مباريات النادي ومرافقة بعثة النادي بسيئون، وعند وصولنا لمرحلة الثانوية العامة بثانوية تريم للبنين، وكان النشاط الرياضي في تلك المرحلة يشهد ازدهاراً كبيراً بوجود الأستاذ عبيد الذي يشغل نائب مدير الثانوية. ورغم توقفه عن مزاولة لعب كرة القدم والمشاركات مع النادي، ظل يمارس التمارين الرياضية ويعمل مدرباً لفريق الثانوية، ومن ثم عمل في المجال الإداري بالنادي، ودائماً ما توكل إليه كثير من المهام كونه شخصية جديرة وحازمة ومنضبطة، سخّر وقته وجهده لخدمة النادي دون مقابل حباً للرياضة وتطوير مستواها في كافة الألعاب الرياضية رغم قلة الإمكانيات والدعم في تلك المرحلة.
(( ممباسا والجذور الحضرمية الأصيلة ))
بداياته من كينيا حيث مكان الميلاد في فترة شهدت هجرات عدد كبير من الأسر الحضرمية إلى شرق آسيا وأفريقيا لطلب لقمة العيش، حيث حطت أسرته الرحال إلى كينيا ودرس مرحلة الابتدائية في ممباسا، وبعدها عاد إلى حضرموت مع والده إلى منطقة تنعه الواقعة بالقرب من شِعب النبي الله هود. ونتيجة لعدم وجود مدارس، أكمل مرحلة الثانوية العامة في حكم الدولة القعيطية في القطن في عز شبابه، وكانت الانطلاقة الرياضية الحقيقية من القطن وكون صداقات حميمة هناك ولعب بجوار نجوم رياضية من القطن وشبام. وبعد تخرجه عاد إلى مدينة تريم وسكن فيها والتحق بنادي الأهلي وبرز لاعباً مميزاً. وحدثني ذات مرة بالقول: (في أحد المباريات مع نادي الأهلي ونتيجة لعدم وجود وسائل المواصلات وندرتها في تلك الفترة، مشى على قدميه من منطقة تنعه الواقعة قرب النبي الله هود إلى تريم وتوقف في قسم عند صديق له من بيت السقاف، وكل ذلك حباً للنادي الأهلي والمشاركة في مبارياته دون مقابل، وحقق مع زملائه عدة بطولات منها بطولة كأس قتبه). كما أُختير ضمن تشكيلة منتخب وادي حضرموت ضمن بطولة المحافظات.
وبعد إكمال دراسته الجامعية بعدن عاد إلى تريم وواصل خدمته في سلك التربية والتعليم ودرّس مادة الرياضيات بمرحلة الإعدادية بالعام الدراسي 1972 / 1973م، وأعطى للتربية والتعليم والنشاط الرياضي في بداية الثمانينات أهمية كبيرة مع مهمته نائب مدير الثانوية. فاستقطب العديد من طلاب الثانوية من مناطق عدة ضمن نادي وحدة تريم، وقاد فريق الثانوية لخوض منافسات البطولة المدرسية وحقق صدارة مجموعة وادي حضرموت وحققوا وصيف المحافظة في مباراة قوية شهدها ساحل حضرموت.
ويحظى بتقدير واحترام الجميع، ويُعد شخصية فولاذية يعمل وفق القانون لا توجد عنده مجاملات في العمل، وأداء المهام والمواعيد لا تهاون فيها. وواصل العمل الإداري بثانوية تريم، وبعد تقاعد الأستاذ الراحل حسن الحداد تبوأ منصب مدير الثانوية، وواصل العطاء التربوي بكل اقتدار حتى تقاعده من العمل.
(( دينمو الاتحاد اليمني لأم الألعاب ))
بعد عام 1990م وعند إجراء انتخابات الاتحادات الرياضية للجمهورية وتوحيدها، اختاره الأستاذ عوض حاتم بأن يكون ضمن قائمة المرشحين للاتحاد اليمني لألعاب القوى. ودخل الاتحاد وحقق أصواتاً أهلته أن يكون عضواً بالاتحاد العام، وكان إضافة فارقة في اتحاد ألعاب القوى في عهد الأستاذ فؤاد الكميم الذي كان يشغل في حينها وكيل وزارة المالية. وأثبت الأستاذ عبيد جدارة في الاتحاد لما يملك من خبرة وحنكة إدارية، وبحكم إجادته للغة الإنجليزية تحدثاً وكتابة استطاع أن يرسى قواعد العمل الإداري وأعطاها أهمية أكبر بتواصله مع الاتحادات الرياضية الآسيوية والدولية. عمل بصدق وأمانة وإخلاص وأصبح اسماً لامعاً ضمن الأوساط الرياضية على مستوى الوطن وخارجه. وبعد تلك النجاحات التي تحققت، تبوأ منصب أمين عام الاتحاد العام بعد تحقيقه أعلى الأصوات في الانتخابات، وواصل العمل حيث تم طلبه للعمل بالعاصمة صنعاء وعمل في الاتحاد بطريقة إدارية مثالية، وشاركت بلادنا في عدة بطولات عربية وقارية ودولية وترأس عدة وفود وكان خير قائد لها.
(( دوره الفاعل في نهضة أم الألعاب في حضرموت ))
نهضة ألعاب القوى في بلادنا وبالمحافظة كان للأستاذ الراحل عبيد عليان دور فاعل في غرس حب هذه اللعبة في صفوف أبناء حضرموت من خلال إقامة البطولات المدرسية وللأندية الرياضية بالوادي، ومنها نادي الوحدة الذي استطاع منافسة الأندية المحتكرة لهذه اللعبة وأصبح بطلاً للبطولات التي يقيمها اتحاد ألعاب القوى. وكذلك مشاركة أبناء الوحدة ضمن المنتخبات الوطنية المشاركة في البطولات الخارجية وكذلك الدورات التدريبية. وأصبحت تريم معقل ألعاب القوى في بلادنا وتمارس ألعاب القوى بين الفئات العمرية المختلفة حباً وشغفاً. كما يعود له الفضل مع الكابتن القدير رضوان شاني باحتراف عدد من شباب بلادنا ضمن الأندية القطرية وبرزت كوادر رياضية ملمة في ألعاب القوى وقوانينها، وكل ذلك يعود الفضل للأستاذ عبيد عليان.
(( العودة إلى كينيا بعد خمسين عاماً ))
ترأس وفد بلادنا في إحدى البطولات الدولية قبل سنوات، وبعد إكمال المشاركة حنّ إلى ممباسا بكينيا ووفقه الله بالزيارة ومكث ما يقارب الشهر، وزار الأقارب والزملاء والمدرسة الابتدائية التي درس فيها، واستُقبل هناك استقبالاً رائعاً وتذكر تلك الحقبة الزمنية الرائعة قبل خمسين عاماً. وأُعطيت له الهدايا ومنها الكافية السواحلية المشهورة المحبوكة حياكة باليد يقدر ثمنها بمئتي دولار أمريكي تقديراً له، وكان يصفها بالرحلة الجميلة والممتعة، ثم عاد إلى حيث العشق مدينة تريم.
(( الوفاء وعزة النفس ))
رغم مكانته الاجتماعية المرموقة التي عُرف بها، تجده متواجداً في كثير من المناسبات الاجتماعية والرياضية التي يُدعى إليها، وحضور أعمال الخير، وجل صلواته جماعة في المسجد، وحضور الجنائز، وزيارة المرضى، ودعوة الأصدقاء من الرياضيين والمحبين للضيافة بمنزله للجلوس وتذكر تلك المرحلة من الزمن الرياضي الجميل. وكثيراً ما يدعوني في مثل هذه المناسبات لما تربطني به من علاقة وطيدة امتدت لأكثر من أربعة عقود، علاقة مملوءة بالأخاء والمحبة والود. وكان لنا القدوة والناصح، ومن تلك المواقف أيضاً حضوره أربعينية الراحل معروف باسعيدة لاعب نادي شبام، حيث بعث لي بدعوة لحضور الفعالية. وفي تلك الفترة كانت أزمة شديدة في المشتقات النفطية وغلاء في أسعارها، لكن الوفاء لأهل شبام ونجمها باسعيدة حتم عليه ترتيب حضور المناسبة، ووفقنا الله لحضورها مع المهندس والرياضي المعروف أحمد باغوث والحارس علي سعيد عدن، وعدنا إلى تريم بعد الفعالية. وهذا يعد موقفاً كبيراً لا ينسى.
عند سفره إلى المكلا التي يرتبط بكثير من كوادرها التربوية والرياضية بعلاقات صداقة وطيدة واحتك بهم رياضياً، وكذلك عند سفره إلى عدن وغيرها من المدن أو إلى الخارج مثل جدة والرياض وغيرها من الدول، لابد أن يزور أصدقاءه وزملاءه تقديراً لهم وللعِشرة التي جمعتهم. كما أن اهتمامه بصلة الرحم تجلّى في زيارة أقاربه بمنطقة تنعه وتلمس أحوالهم ومعايدتهم في الأعياد والمناسبات المختلفة.
رغم مكانته وعلاقته بكثير من القيادات في الدولة، لا يمكن أن يطلب منهم أي مساعدة أو توظيف أبنائه في أي وظيفة حكومية، رغم أن الكثير أراد أن يقدم له خدمات. لكنه ظل عفيفاً عزيز النفس، لا يحب التملق على أبواب المسؤولين على الإطلاق.
(( الرحلة الرياضية الأخيرة: السعودية ومنتخب الناشئين ))
استطاع أن يدون اسم الجمهورية اليمنية في البطولة العربية لألعاب القوى للناشئين، ورفع علم الجمهورية خفاقاً في البطولة التي أُقيمت في الطائف بالمملكة العربية السعودية عام 2024م. وبحكم علاقته مع قيادة الاتحاد العربي والاتحاد السعودي، شاركت بلادنا في البطولة بعدد من الناشئين، والغرض الاحتكاك لكسب الخبرة، وحقق أحد الأبطال برونزية لبلادنا رغم عدم وجود معسكر تدريبي. وتمت استضافتهم للمدة المحددة للوفود المشاركة بالبطولة، ولم يكن هناك أي دعم من الدولة، وكل شيء من مواصلات وأكل كان بجهود ذاتية. كنت قريباً منهم في هذه الرحلة، وانطلقنا من مدينة تريم، ومن ثم اجتمعنا مع البعثة في مكة المكرمة بعد نهاية البطولة، وكنت أنا والأستاذ عبيد وابني إبراهيم رحمهم الله في غرفة واحدة. شاهدت الأستاذ عبيد معتكفاً عند جهاز اللاب توب في تواصل دائم مع رئيس اتحاد ألعاب القوى والاتحادات العربية، يرسل التقارير ويصيغ الرسائل بكل هدوء، لأنه تعود على العمل الجاد والانضباط. ووفقنا الله بأن أدينا مناسك العمرة معاً، وبعد ثلاثة أيام عادت بعثة المنتخب الوطني للناشئين إلى أرض الوطن.
حينها تواصلنا مع القيادات الحكومية الرياضية ليتم اعتماد موازنة مالية للبعثة، وكذلك مع بعض الشخصيات الاعتبارية، لكن لم يتم الدعم، وكلها وعود عرقوب للأسف الشديد. كما ساهم في مشاركة الأندية اليمنية ومنها نادي وحدة تريم في بعض البطولات بقطر.
(( الإجحاف بحق الكوادر الوطنية الشريفة النزيهة ))
عند إصابته بالمرض عانى كثيراً من الإهمال وظل صابراً داخل منزله ولم يلتفت إليه أحد من قيادة الدولة والمحافظة رغم ما قدم لقطاعي التربية والتعليم والرياضة. ورغم التقارير الطبية التي يحملها بضرورة سفره للخارج في أسرع وقت ممكن، ظل يعاني ويكابد لفترة طويلة. ورغم معرفة بعض المسؤولين المقربين بحالته المرضية، لكنهم لم يقدموا له شيئاً.
انتظر لفيزا الهند وكانت تكاليفها باهظة من داخل اليمن قدرت بمبلغ 800 دولار، وتحمل العناء وذهب إلى المملكة وأخذ بنفسه الفيزا بمبلغ لا يتعدى المئتين ريال سعودي. ومن ثم عاد إلى أرض الوطن وذهب للهند عبر سلطنة عُمان، وعند وصوله إلى السلطنة بعث لي برسالة عبر الواتساب: (( أنا الآن في مطار مسقط في طريقي بإذن الله تعالى إلى العاصمة نيودلهي... دعواتكم لنا ))
وعند وصوله للهند قال: (( الحمد لله، برعاية الله وحفظه وصلنا نيودلهي حوالي الساعة الخامسة صباحاً ))
وكنا في تواصل مستمر معه، وتبادلنا المعايدة بعيد الأضحى المبارك. وبعد أيام بعث برسالة: (( الحمد لله رب العالمين، أنا في ماليزيا للعلاج، دعواتكم لنا ولإخواننا في فلسطين ))
ورغم معاناته من المرض لم ينس أهل فلسطين وقضيتهم. وبعد أيام بعث برسالة أخرى يقول فيها: (( حياك الله يا حبيب، أنا لازلت مرقد في المستشفى ... والله كريم ))
وكانت آخر رسالة له يقول فيها: (( جمعة مباركة، أكثروا فيها من الصلاة والسلام على خير الأنام ... والدعاء لإخواننا في فلسطين بالنصر المبين ))
بعد دخوله العناية المركزة بماليزيا انقطع التواصل بسبب منعه من استخدام الهاتف نتيجة لحالته الصحية الصعبة، وظل فترة في العناية. وكان التواصل المستمر مع الدكتور سمير البوري لمعرفة حالته الصحية. ومن ثم قرر الأطباء سفره إلى مصر، وبعد متابعات وصل إلى القاهرة لاستكمال علاجه. ظل التواصل مع الأخ أبو عسكر وابنه صابر، ومن ثم عاد إلى أرض الوطن واستُقبل استقبالاً طيباً من محبيه، وعمّت الفرحة بعودته إلى مدينة تريم.
لكن بعد فترة ساءت حالته الصحية ودخل العناية المركزة، ولم نعلم إلا بالخبر الصاعق عبر وسائل التواصل الاجتماعي والمواقع الإلكترونية بوفاته. انتشر الخبر وعمّ الحزن حضرموت وتريم والوسط التربوي والرياضي لما يحظى به من سمعة طيبة. رحيله يعد خسارة كبيرة على بلادنا وحضرموت وعلى القطاع الرياضي. ستظل بصماته خالدة وذكراه باقية في المجتمع.
كم من لقاءات وعيش وملح جمعتنا به في منزله وبمنزلنا بصنعاء وفي الرحلات، لا يمكن نسيانها بسهولة. وما دوّناه بحقه يعد غيضاً من فيض. وبهذا المصاب أعزي أولاده وأهله والأسرة التربوية والرياضية بالتعازي، سائلين الله العلي العظيم أن يرحمه ويغفر له ويسكنه الجنة. وإنا على فراقه لمحزونون، إنا لله وإنا إليه راجعون.