آخر تحديث :السبت-13 سبتمبر 2025-11:06ص
ملفات وتحقيقات

النظافة في تعز.. قضية ما تحملها ملف

السبت - 13 سبتمبر 2025 - 09:40 ص بتوقيت عدن
النظافة في تعز.. قضية ما تحملها ملف
تعز ((عدن الغد))خاص

- وصلت كميات النفايات المتولدة يومياً خلال العام 2019م إلى 470 طن لترتفع حاليا إلى 517.6 طن يوميًا

- خلال 2024 سجلت 50000 حالة إصابة بالملاريا وأكثر من 9000 حالة إصابة بالكوليرا منها 54 حالة وفاة، و4000 حالة إصابة بمرض حمى الضنك

- سُجلت 1626 حالة إصابة بمرض السرطان على مستوى اليمن خلال 2024م، منها 1391 حالة من محافظة تعز

- المليشيا الحوثية تمنع نقل النفايات إلى المقلب الرسمي ومقلب الضباب كارثة بيئية خطيرة تهدد تعز

- كانت تغطي مدينة تعز 5000 برميل قمامة أما الآن فالمتواجدة 300 برميل فقط

- النفايات الطبية خطر إضافي يتهدد البيئة والسكان

تعز – ربيع صبري:

تعيش تعز حالة متقدمة من التلوث البيئي، الذي يهدد المناخ ويعزز من تداعيات تغيراته الخطرة، حيث تتكدس المخلفات في مختلف الأحياء السكنية والشوارع والأزقة، ويضاعف طفح المجاري المعاناة، ليزداد التلوث البيئي في المدينة يوماً بعد يوم.

ورغم التناولات الإعلامية العديدة إلا أن قضية النظافة في محافظة تعز بقيت قضية شائكة، تلاحظ اثارها ويكثر الجدل بشأنها بين الحين والآخر دون تفتيش دقيق في تفاصيلها.

في هذا الملف حاولنا رصد تفاصيل القضية، بحثنا في واقع النظافة والتحديات التي تواجه الصندوق المختص، والآثار الصحية الخطيرة لضعف معالجة هذه القضية، وباختزال شديد ركزنا على نقاط محدودة، على أمل استمرار التفتيش في تفاصيل القضية كاملة في الأعداد القادمة.

احصائيات مقلقة

تتمتع مدينة تعز بكثافة سكانية عالية، على عكس باقي مدن اليمن، مما يضاعف إنتاج كميات هائلة من النفايات، وبشكل دائم، دون التعامل السليم معها، ففي مديريات المدينة الثلاث فقط، وصلت كميات النفايات المتولدة يومياً خلال العام 2019م إلى 470 طن، لتصل في مايو 2025 إلى 517.6 طن يوميًا بحسب احصائيات صندوق النظافة والتحسين، وبهذا يكبر الخطر مُهددًا المناخ وحياة الملايين من البشر، بانتشار الأوبئة والأمراض التي تفتك بمئات الأشخاص مثل الكوليرا والملاريا والإسهال وغيرها الأكثير، في ظل ضعف الخدمات الصحية وغياب اهتمام الدولة.

تحديات وعوائق

كشفت افتهان المشهري، المدير العام لصندوق النظافة والتحسين بمحافظة تعز، عن حجم التحديات والصعوبات التي تواجه الصندوق قائلةً: "تواجهنا في صندوق النظافة والتحسين العديد من التحديات وأبرزها: قلة الإمكانيات، فنحن نعاني من نقص في الأدوات والمعدات والاحتياجات الأساسية لترحيل النفايات والتعامل معها".

وتضيف المشهري: "خلال العام الماضي تم إدخال 13 معدة جديدة تحت الخدمة، لكنها لم تكن كافية للعمل بالمستوى المطلوب وترحيل كل نفايات مدينة تعز، خصوصًا مع رجوع أغلبية النازحين للمدينة مما جعلها أكثر ازدحامًا، وكذلك فتح خط الحوبان (الطريق الرئيسي للمدينة)، وهذا أدى إلى زيادة في إنتاج النفايات وزيادة الضغط على صندوق النظافة والتحسين".

وعن التحديات التي لا تتعلق بالصندوق تقول المشهري: "تعز تعاني من قلة وعي المواطنين في جانب النفايات بشكل كبير جدًا، فالكثير منهم يرمي المخلفات في الشوارع ويختلقون مساحات لرمي النفايات بشكل عشوائي حيث لا يوجد براميل، ثلاثة أرباع هذه النفايات تُرمى في عبارات السيول وغيرها، وصندوق النظافة يجتهد لتجميعها من أغلب الأماكن، لكن هناك أماكن لا ندري أنها أصبحت مكبات للنفايات".

وأضافت المدير العام للصندوق: "صحيح أن هناك نقص كبير في البراميل، ففي السابق كانت تغطي مدينة تعز 5000 برميل أما الآن فالمتواجدة 300 برميل فقط". هناك القليل من المبادرات التطوعية في بعض الأحياء تقوم بحملات تنظيف وجمع للمخلفات، لكن نسبة تخاذل المواطنين وقلة وعيهم كبيرة جدًا، ونتمنى من الجميع أن يدركوا دورهم في موضوع النظافة، فتعز تستحق أن تظهر بشكلها الجميل، فنظافة المدينة تدل على رُقيها ومكانتها".

في مرمى الأوبئة

وضع النظافة البائس تسبب بالعديد من الاضرار الصحية، وهو ما جعل تعز في مرمى الأوبئة والأمراض المعدية، وهذا ما أكدته احصائيات بعض الامراض مثل الملاريا والكوليرا.

يقول المسؤول الإعلامي لمكتب الصحة العامة والسكان بمحافظة تعز تيسير السامعي: "بحسب إحصاءات مكتب الصحة العامة والسكان في محافظة تعز خلال العام 2024م، فقد وصل عدد الحالات المصابة بهذه الأمراض كالتالي: مرض الملاريا 50000 حالة إصابة، ومرض الكوليرا أكثر من 9000 حالة و54 حالة وفاة، ومرض حمى الضنك 4000 حالة إصابة، وغيرها الكثير من الأمراض كأمراض الكبد والجهاز التنفسي، والأعداد مستمرة بالتزايد.

وأضاف السامعي: "سُجلت 1626 حالة إصابة بمرض السرطان على مستوى اليمن خلال العام 2024م، منها 1391 حالة من محافظة تعز، 158 منها أطفال، 15% من العدد الكلي مصابون بسرطان الثدي، و10% سرطان الدم، والنسبة الأكبر من هذه الأعداد نساء، ولا يوجد سوى مركز الأمل لعلاج الأورام السرطانية، هو الوحيد الذي يستقبل هذه الحالات".

واختتم السامعي حديثه بالقول: "مكتب الصحة غير قادر على التعامل مع هذه الأمراض الناتجة عن التلوث البيئي، في ظل عدم اتخاذ قرارات وخطوات تحد من هذه الكارثة وتنهيها"، مضيفًا أن المكتب يعول على المواطنين ووعيهم في الحفاظ على بيئة نظيفة وصحية.

من واديٍ زراعي إلى مكب النفايات

لا يقتصر وادي الضباب على السياحة فقط، بل هو واديٍ زراعي للكثير من الخضروات والفواكه، بل يُعد المورد الرئيسي لمياه الشرب التي تغذي مدينة تعز، حيث أن 90% من الآبار الجوفية تقع في وادي الضباب، لكن مليشيا الحوثي وحصارها المستمر دفع لتحويل منطقة الكسارة في وادي الضباب إلى مكب للنفايات وهذه كارثة بيئية كبيرة تُهدد خصوبة التربة والمياه السطحية والجوفية وكذلك حياة السكان بالمنطقة خاصة والمحافظة عامة.

وتقول المدير العام لصندوق النظافة والتحسين: "مكب النفايات الجديد في وادي الضباب الجميع يعلم أنه مستحدث، تم استحداثه بسبب الحرب فالمكب الرئيسي يقع في مناطق سيطرة مليشيا الحوثي التي تحاصر مدينة تعز، وهذه المليشيا تمنع نقل النفايات إليه، وصندوق النظافة والتحسين يعلم مدى خطورة المكب الجديد وأنهُ يُعد كارثة بيئية تُهدد حياة الكثير بالسرطانات وغيرها من الأمراض".

وأكدت المشهري: "سيتم إيقاف مكب الضباب خلال الفترة القليلة القادمة وفتح المقلب الجديد في عقبة المعافر، وسيكون مكبًا لنفايات كل مديريات تعز بما في ذلك الأرياف، وليس لمديريات المدينة فقط، كذلك سيتم إنشاء مصنع لإعادة تدوير بعض النفايات في مكان مكب الضباب، أما بالنسبة لباقي النفايات التي لن يُعاد تدويرها فسيتم دفنها في مكانها".

النفايات وعبارات السيول

كذلك تطرقت المشهري في تصريحها إلى خطورة النفايات المرمية في عبارات السيول، مشيرة إلى جهود مرتقبة لمعالجة المشكلة، وقالت: "بالنسبة لعبارات السيول، فقلة وعي المواطنين يدفعهم لرمي النفايات في هذه العبارات، نحن نقوم بتنظيفها بشكل دوري اضطراريًا لكن كميات النفايات المرمية كبيرة جدًا".

وأوضحت: "الآن سنقوم بردم وتغطية جميع هذه العبارات بناءًا على دراسة مُقدمة كمرحلة ثانية لحماية تعز من كارثة السيول بالشراكة مع مكتب الأشغال العامة وصندوق التنمية الاجتماعية وصندوق النظافة والتحسين".

أزمة المخلفات الطبية

إلى جانب كارثية التعامل مع النفايات العادية يتضاعف خطر التلوث البيئي بسبب النفايات الطبية الخطرة التي لا تُتلف وفق الطرق الصحيحة والأمنة مثل الأدوات المستخدمة في العمليات وغرف الإنعاش وغرف الرقود وصولاً إلى أجزاء بشرية كـ"الأجنة المجهضة" وغيرها، وفي ظل استحالة الوصول إلى مكب النفايات الرسمي، واستمرار العشوائية التي تعمل بها المستشفيات والمرافق الصحية للتخلص من النفايات، وعدم التفعيل الكامل للمحارق الخاصة بالمستشفيات، كذلك عدم امتلاك جميع المستشفيات والمراكز الصحية للمحارق، مما أجج غضب المواطنين وانزعاجهم وتزايد شكاويهم.

يقول أحد المواطنين من أهالي حي الجمهوري أن "إدارة مستشفى الجمهوري جعلت من فناء المستشفى مقلب أولي للنفايات الناتجة من المستشفى، بما في ذلك أجزاء بشرية ناتجة من عمليات الولادة أو استئصال ومختلف العمليات الجراحية". وأضاف أنه يشاهد وبشكل متكرر القطط والكلاب وبعض الطيور وهم يتناولون المخلفات من أكياس القمامة الموجودة في الفناء، مع انتشار كبير للذباب والبعوض ومختلف الحشرات الضارة والناقلة للأمراض المعدية.

ورغم وجود بنود قانونية تنظم عملية التخلص من النفايات الطبية الخطرة، إلا أن الفجوة بين النصوص القانونية واجراءات التنفيذ كبيرة جدًا، وتحتاج إلى توجيهات حكومية جادة لإيقاف هذا الخطر الذي يهدد حياة اليمنين والحد من تأثيره على البيئة والتغيرات المناخية.

فيما قال مسؤول إدارة الجودة ومكافحة العدوى في مستشفى الجمهوري محمد مخارش: إن "المستشفى يعمل بكامل جهوده للحفاظ على بيئة نظيفة وصحية وفق خطة نظافة وقائية سليمة، وأنه يملك محرقة حديثة لتخلص من النفايات الطبية قدمتها منظمة الصحة العالمية التابعة للأمم المتحدة في العام 2023م للمستشفى، مما ساعد في حل الكثير من المشكلات المتعلقة بالنفايات الطبية التي كان يعاني منها المستشفى".

إتلاف منظم

وأضاف مخارش: "عملية حرق النفايات الطبية تتم وفق خطة مقدمة من منظمة الصحة العالمية ومنظمة أطباء بلا حدود، حيث تم تقديم خطة وتدريب فريق من الموظفين عليها، وتتم عملية التخلص من النفايات بعدة طرق ووفق نوع هذه النفايات، طريقة الدفن تستخدم للنفايات الزجاجية كـ "النيدلات الحادة" و "المشارط" ولمخلفات العلاجات الزجاجية بعد أن يتم تكسيرها. وطريقة الحرق تستخدم للمخلفات الطبية الناعمة كـ "الجلفز" و"الشاش الطبي" و"السيرنجات البلاستيكية" والنفايات العضوية كـ"المشيمة" و"الأعضاء المبتورة". أما النفايات العادية كـ "بقايا الطعام" فيتم وضعها في براميل القمامة العامة".

وأكمل مخارش حديثه: "هناك مشاكل تعيق المستشفى من إتمام عملية الحرق التخلص من بعض النفايات العضوية بشكل كامل، فقد منعنا مركز القلب والأوعية الدموية بتوجيهات من محافظ المحافظة من إحراق "المشيمة" الناتج عن عمليات الولادة وبعض النفايات العضوية الأخرى. وذلك بحجة أنها عندما تحترق تُنتج دخاناً ساماً ذو رائحة سيئة يضر المرضى والعاملين بالمركز ويؤثر على البيئة، بالرغم أن المحرقة متطورة بتكنولوجية حديثة ولها العديد من الفلاتر التي تمنع الدخان من التصاعد وتصفيه من السموم بنسبة 70%. مما جعلنا نرميها اضطراراً في براميل القمامة العامة التي تذهب للمقلب البديل".

واختتم مخارش الحديث مؤكداً: "إدارة المشفى تقدمت لمكتب الصحة العامة في المحافظة بطلب حلول عاجلة للأمر، لكن مكتب الصحة لم يأخذ الموضوع بجدية. مما جعل الإدارة تطرح الأمر على قيادة السلطة المحلية بالمحافظة، لكن السلطة المحلية كذلك لم تتخذ أي إجراءات لحل هذه المشكلة. بل وقام مكتب الصحة العامة بإرسال اشعار تحذير للمستشفى بعدم التخاطب مع أي سلطة أو وزارة إلا عن طريقه، وحتى اليوم لا تزال المشكلة موجودة ومهملة دون أي استجابة. لكننا نعول على وزارة الصحة أن تقوم بإيجاد حلول مناسبة مصاحبة للبيئة، وعلى الحكومة بالقيام بدورها بإنشاء محرقة مركزية للنفايات الطبية وفق المعايير العالمية".

تُصنف النفايات الطبية عالمياً بأنها ذات خطورة كبيرة، كون حوالي 20% منها ملوثة بالفطريات والفيروسات والبكتيريا والمواد الكيميائية السامة والمشعة الضارة بالصحة والبيئة.

قوانين ولوائح وزارية لا ترى النور

يؤكد قانون الصحة العامة في المادة (37) على وجوب المحافظة على البيئة بعناصرها المختلفة، وإن حصل ذلك فعلى المتسبب القيام بإزالتها. ويؤكد أيضاً على ضرورة قيام المستشفيات بالتخلص من النفايات الطبية بالطرق الأمنة وفقاً للمعايير الدولية، وبالتنسيق مع السلطات المحلية.

بالإضافة إلى ذلك، تنص الفقرة (أ) من المادة (37) في قانون النظافة العامة على ضرورة قيام المنشآت الطبية بفصل النفايات الطبية عن النفايات الأخرى، والفقرة (ب) على ضرورة أن تتضمن مباني المنشآت الطبية وسائل مناسبة للتخلص السليم والأمن من النفايات الخطرة.

كما تنص اللائحة التنظيمية لوزارة الانشاءات والإسكان والتخطيط الحضاري في البنود الأولى من المادة (21) و (23) على مسؤوليتها في مراقبة النفايات بكل أنواعها، والإشراف على مشاريع النظافة في كافة المحافظات، والتأكد من توفر جميع الأدوات اللازمة لديها للقيام بأعمالها على أكمل وجه.

وبالرغم من شمولية هذه القوانين للعديد من الجوانب المتعلقة بضبط التعامل مع النفايات الطبية، إلا أن قانون الصحة العامة لا يزال بدون لائحة تنفيذية يفترض بدورها أن تقدم معايير وإجراءات التخلص من النفايات الطبية.