مع تصاعد الجدل في أوساط الجالية اليمنية بمصر عقب إغلاق المدارس اليمنية الخاصة بالقاهرة والجيزة، وتداول اتهامات متفرقة طالت السفارة اليمنية هناك، ارتفعت تساؤلات مشروعة حول مستقبل آلاف الطلاب ومصير العملية التعليمية. وفي خضم هذه الشائعات، كان لزامًا أن تتضح الصورة من مصدرها الرسمي، لتبيان الحقائق ووضع النقاط على الحروف.
في هذا الحوار، يفتح الملحق الإعلامي والناطق باسم السفارة اليمنية بالقاهرة، الأستاذ بليغ المخلافي، ملف المدارس اليمنية بشفافية، موضحًا ملابسات نشأتها، أسباب إغلاقها، وموقف السفارة من كل ما يُثار حولها. كما يجيب عن تساؤلات تخص مستقبل الطلاب والجالية اليمنية في مصر.
حاوره الصحفي اليمني: أحمد ماهر
نشأة المدارس اليمنية: من حل مؤقت إلى واقع مفاجئ
1. متى تم افتتاح المدارس اليمنية في القاهرة وكيف تطورت؟
أولًا، يجب التوضيح أن المدارس اليمنية في القاهرة ليست حكومية، بل هي مدارس خاصة تابعة لمستثمرين يمنيين. بداية ظهور هذه المدارس كانت في العام الدراسي 2016، عندما علق عدد كبير من أبناء اليمنيين في مصر بسبب الأوضاع في بلادنا. حينها، اضطرت السفارة إلى عقد امتحانات الثانوية العامة داخل مبنى السفارة حتى لا يضيع العام الدراسي على الطلاب، حيث لم تكن هناك أي مدرسة يمنية في القاهرة. كان عدد الطلاب الذين امتحنوا في السفارة حوالي 60 طالبًا، ومن هنا بدأت فكرة إنشاء مدرسة يمنية كحل مؤقت. افتُتحت أول مدرسة في عام 2017، وهي مدرسة "اليمن الدولي" التي يملكها الدكتور حسين القاضي، الرئيس السابق لجامعة الحديدة، في منطقة المهندسين.
غياب التراخيص: السبب الحقيقي وراء الأزمة
2. هل تمتلك المدارس اليمنية في القاهرة تراخيص رسمية للعمل في المجال التعليمي؟
المدارس لديها ترخيص من وزارة التربية والتعليم اليمنية فقط، ولم تحصل على تصاريح من وزارة التربية والتعليم المصرية. لهذا السبب، كانت تتعرض للإغلاق بشكل دائم من قِبَل إدارة الأحياء في كل منطقة، وكان يتم إعادتها للعمل بطرق غير قانونية.
3. كم عدد المدارس اليمنية في القاهرة وكم بلغ عدد طلابها؟
وصل عدد المدارس إلى 14 مدرسة، مقسمة على مدرستين في محافظة القاهرة و12 مدرسة في محافظة الجيزة. وفقًا لإحصائيات العام الماضي، بلغ عدد الطلاب في هذه المدارس 6200 طالب.
4. لماذا تم إغلاق المدارس اليمنية فجأة وهي تعمل منذ سنوات؟
خلال الفترة الماضية، كان من المفترض أن يلتزم مدراء المدارس باستكمال الإجراءات القانونية مع الجهات الرسمية في الجانب المصري. للأسف، كانت المدارس تواجه إشكاليات كبيرة، فمبانيها غير مطابقة للمواصفات المصرية، ولا يوجد أي إشراف من وزارة التربية والتعليم المصرية على المدارس أو على المناهج التي تُدرّس فيها. من الطبيعي أن أي دولة لا يمكنها أن تسمح بوجود مدارس تدرس مناهج غير المنهج الوطني المعتمد لديها. نحن لدينا جالية في دول الخليج تتجاوز مليوني مغترب، ومع ذلك لا توجد أي مدرسة يمنية هناك؛ حتى المحاولات لفتح مدرسة في الرياض قوبلت بالرفض من السلطات السعودية التي أكدت أن التعليم المتاح هو التعليم العام أو الخاص السعودي فقط.
دور السفارة: رد حاسم على اتهامات الإغلاق المتعمد
5. يُقال إن السفارة اليمنية في القاهرة كانت سببًا في قرار الإغلاق بتوجيهات من السفير خالد بحاح. ما صحة هذا الكلام؟
هذا غير صحيح. أولًا، السفير يمثل الدولة وليس لديه أي عداوة مع أحد. ثانيًا، قرار الإغلاق كان بتوجيهات من الجانب المصري، وصدرت هذه التوجيهات في منتصف العام الماضي. الجهات المختصة في مصر قامت بحملة أغلقت خلالها مدارس الجاليات بشكل عام، وليس فقط المدارس اليمنية. شمل القرار المدارس السودانية والليبية والسورية أيضًا. بالمناسبة، الجالية السورية تُعد أكثر جالية منضبطة، ولديهم مدرسة أو مدرستان فقط تدرّسان المنهج المصري وتحت إشراف وزارة التربية والتعليم المصرية. السفارة السودانية أيضًا اتفقت مؤخرًا مع الجهات المصرية لإنشاء مدرسة باسم "مدرسة الصداقة المصرية السودانية" تدرس المنهج المصري فقط، ولديها موافقة وتصريح لأنها تطابق المواصفات الأمنية والتعليمية وتخضع لإشراف وزارة التربية والتعليم المصرية. أما المدارس اليمنية في القاهرة، فلم تكن تخضع لوزارة التربية والتعليم المصرية حتى الآن.
6. هل تعمل المدارس اليمنية تحت إشراف السفارة، أم أنها غير تابعة لكم؟
المدارس الخاصة اليمنية في القاهرة لا تخضع لنا، والسفارة ليست مسؤولة عنها لا إداريًا ولا تعليميًا ولا تربويًا. ولكن عندما تم إغلاق مدارس الجاليات في منتصف العام الماضي، تحركنا على الفور، لأن هذا الأمر يمس مستقبل الطلاب اليمنيين، ولم نصمت أبدًا. أجرينا لقاءات رسمية مع وزارة التربية والتعليم المصرية ووزارة الخارجية والجهات الأمنية المختصة. بعد عدة اجتماعات ومشاورات، اتفقنا على آلية لاستكمال العام الدراسي للحفاظ على مستقبل الطلاب، وكانت الآلية تنص على استكمال العام الدراسي، ثم الإغلاق النهائي للمدارس، ولكن ليس في نفس المباني التي كانت تشغلها المدارس لأنها غير صالحة. تم تحديد مدارس حكومية وخاصة مصرية لتأجيرها من قِبَل المدارس اليمنية في الفترة المسائية. كانت كل المراسلات تنص على استكمال العام الدراسي، مع العلم أن المدرسة اليمنية الحديثة في الهرم هي الوحيدة التي كانت تتوفر فيها جزء من المواصفات المصرية، وتم السماح لها باستكمال العام الدراسي بشرط تصحيح أوضاعها لاحقًا.
المخالفات والمعايير: لماذا تشدد الجانب المصري؟
7. هل قدمت المدارس اليمنية صورة جيدة عن اليمن أم ارتكبت مخالفات في القاهرة؟
جميع المدارس اليمنية تفتقر إلى المعايير المصرية في التعليم، وبعضها للأسف الشديد ارتكب مخالفات جعلت الجانب المصري يتشدد أكثر. هذه المدارس في حد ذاتها مخالفة للقانون؛ لأنها لا تملك مباني متكاملة كمدرسة. من المؤسف أن بعضهم يتحايلون بفتح "مراكز تعليمية" مكونة من فصلين فقط أو يستأجرون قاعات غير مجهزة، دون الالتزام بآداب العمل التربوي أو تطبيق المعايير التعليمية المصرية.
8. لماذا لم تسعَ السفارة لتصحيح أوضاع المدارس اليمنية، رغم ما يُقال إنها كانت تحصل على رسوم مالية منهم؟
السفارة ليست مسؤولة أو مشرفة على هذه المدارس. لكن للأسف، بعض ملاك المدارس يستخدمون اسم السفارة بناءً على اتفاق قديم في عام 2017. في الفترة الأخيرة، تولت الملحقية الثقافية مسؤولية هذا الملف، وبدأ الملحق الثقافي بالتواصل مع المدارس والجهات المصرية لتقنين أوضاعها، وهذا يعني الحصول على رخصة من وزارة التربية والتعليم المصرية قبل العمل. للأسف، لم يقم ملاك المدارس بذلك. أما بالنسبة لأخذ السفارة مبالغ مالية، فهذا الكلام غير صحيح أبدًا. كان هناك اتفاق في عام 2017 لفترة معينة، لكن منذ عام 2020، أتحدى أي مدرسة أن تثبت أنها دفعت مبالغ للسفارة. في العام الماضي، قام السفير خالد بحاح بنقل ملف المدارس بالكامل من مكتبه إلى الملحقية الثقافية.
9. هناك أخبار تتداول أن السفارة اليمنية لم تقف مع المدارس لأن هناك مدرسة خاصة تابعة لتاجر يمني مقرب من السفير ستفتح قريبًا. ما رأيك؟
هذه مجرد حجة مؤسفة من ملاك المدارس، الذين للأسف تعاملوا مع الموضوع بعقلية المستثمر وليس التربوي. كانت السفارة حريصة كل الحرص على مصلحة الجالية، وساعدت المدارس ووقفت معهم. كانت هناك اجتماعات ومراسلات رسمية، والتقينا بمساعد وزير الخارجية المصري للشؤون العربية أكثر من 6 أو 7 مرات. كل الموضوعات الرئيسية في تلك اللقاءات كانت عن المدارس اليمنية. تم مناقشة إمكانية فتح المدارس بنفس آلية العام السابق، أي تأجير مبانٍ حكومية أو خاصة مصرية للفترة المسائية، ولكن أبلغتنا السلطات المصرية بالرفض، وأكدت أنه لا يمكن فتح مدارس للجاليات على أرض مصر.
مصير الطلاب: حلول السفارة ومستقبل التعليم
10. ما هو مصير 6200 طالب يمني في القاهرة بدون تعليم؟
هذا الأمر ناقشناه مع الجانب المصري منذ العام الماضي. في السابق، كانت هناك صعوبة في التحاقهم بالمدارس المصرية بسبب الإقامة السياحية. لكن بفضل جهودنا، وافقت الجهات المصرية مشكورة على التحاق أبناء الجالية اليمنية بالمدارس المصرية الحكومية والخاصة بالفيزا السياحية. يذهب الطالب للتسجيل في المدرسة ويحصل على ترشيح، ثم يتم تصديقه من الإدارة التعليمية، وبموجب ذلك يتم تغيير الإقامة السياحية إلى إقامة مؤقتة لمدة شهرين لاستكمال الإجراءات، ثم يحصل الطالب على إقامة تعليمية لمدة عام.
11. هل الجانب المصري منع الطلاب اليمنيين من الدراسة في مصر؟
لم يحدث ذلك إطلاقًا، بل على العكس. هناك ترحيب كبير من الجانب المصري بتسجيل الطلاب في المدارس المصرية. وقامت السفارة بخطوة إضافية مؤخرًا، حيث سلمنا خطابًا لفضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر الشريف، الدكتور أحمد الطيب، لتسهيل إجراءات التحاق اليمنيين بالثانويات والمعاهد الأزهرية. ووجه مشكورًا الجهات المختصة في المشيخة بالتنسيق مع السفارة وتقديم التسهيلات لكل الطلاب. مصر دولة ذات سيادة على أرضها، واتخذت قرارًا بمنع مدارس الجاليات، وعلينا كسفارة وكجالية يمنية أن نحترم قوانين البلد المضيف.
12. ما هي رسالتك للمستثمرين اليمنيين في مجال التعليم الذين أُغلقت مدارسهم؟
أي مستثمر يمني يرغب في العمل بهذا المجال، يجب عليه الذهاب إلى الجهة المعنية بالاستثمار في الجانب المصري، وتوفير الشروط المطلوبة لافتتاح مدرسة. المدارس الخاصة اليمنية التي أُغلقت لم تكن تتوفر فيها هذه الشروط، باستثناء المدرسة اليمنية الحديثة في الهرم. ولكن كما ذكرت، صدر قرار بإغلاق مدارس الجاليات وعلينا احترام قرارات الدولة.
نصائح وتوجيهات: رسالة إلى الآباء والمستثمرين
13. ما هي الرسالة التي توجهها لمدراء المدارس والآباء في القاهرة؟
أولًا، لدي رسالة لأولياء الأمور: كونوا حريصين على مستقبل أولادكم، وسارعوا بتسجيلهم في المدارس المصرية أو الدولية أو مدارس اللغات. هناك تمديد للتسجيل حتى نهاية شهر سبتمبر. أنتم في الخارج، اغتنموا هذه الفرصة لتعليم أبنائكم تعليمًا جيدًا، فهؤلاء هم من سيعودون لبناء الوطن. مناهجنا التعليمية في اليمن لم تُحدث منذ أكثر من 15 سنة بسبب الحرب. أما بالنسبة لملاك المدارس، فعليهم أن يتقوا الله ويتعاملوا بضمير. المفترض أنكم تربويون، والتربوي لا ينشر الشائعات ولا يحرض على السفارة اليمنية التي ستظل أبوابها مفتوحة لكل أبناء اليمن.
خدمات السفارة: حقيقة الرسوم والشائعات
14. هناك أخبار تقول إن السفارة تفرض رسومًا كبيرة بالدولار على معاملات اليمنيين. ما صحة هذا؟
هؤلاء المحرضون يشبهون "إخوة يوسف الذين قتلوا أخاهم وجاؤوا عشاءً يبكون". الجميع يلاحظ التطور الذي حصل في السفارة خلال السنتين الأخيرتين. الخدمات الآن إلكترونية، ولا يوجد زحام، والأمور تسير بسلاسة، ومعظم الخدمات مجانية. الرسوم تُدفع فقط على العقود التجارية وإصدار الجوازات والبطاقة الذكية، وهي رسوم مقررة من الدولة. ملاك المدارس يستغلون خوف أولياء الأمور من ضياع مستقبل أبنائهم للتحريض على السفارة. كما أن هناك إشكالية أخرى وهي عدم التزام اليمنيين بقوانين الإقامة. لا يمكن أن يظل الشخص 7 سنوات في بلد بإقامة سياحية. أعلنت السلطات المصرية عن فترة لتصحيح الأوضاع لمدة 3 أشهر، لكن البعض لم يستفد منها، وهذا يجعلهم يتهربون من تسجيل أبنائهم في المدارس المصرية بسبب الغرامات المترتبة على عدم تجديد الإقامة.
مصير مباني السفارة: قصة تنازل السفير والواقع القانوني
15. هل تنازل السفير خالد بحاح عن مباني خاصة بالسفارة؟
هذه قصة أخرى غير صحيحة. مبنى الملحقية الثقافية كان مستأجرًا بعقد قديم ومتهالك، ولا يليق بمكانة السفارة. لهذا السبب، تم نقله إلى الدور الخامس في مبنى السفارة، لتقديم خدمات متكاملة في مكان واحد. أما المركز الثقافي، فقد كان مستأجرًا بعقد قديم باسم "رابطة طلاب اليمن" منذ السبعينات. رفعت عليه دعاوى قضائية ولم يتم إبلاغ السفارة بها، وصدر حكم بالإخلاء. لكننا قمنا باستئناف الحكم، وما زلنا في المبنى. هناك قانون جديد صدر في مصر يعطي مهلة 5 سنوات للمباني الإدارية و7 سنوات للمباني السكنية قبل الإخلاء، وعلينا كسفارة أن نحترم قوانين البلد المضيف.
16. هل هناك مشاريع مستقبلية سوف تدشنها السفارة؟
نعم، نعمل الآن على تأهيل مبنى السفارة، وخاصة القطاع القنصلي الذي يقدم خدمات للمواطنين. بدأنا بالشراكة مع عدة جهات محلية، ودشنّا عدة برامج وندوات سياسية مع "مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية". ولدينا فعاليات مستمرة سننشر عنها في صفحات السفارة بشكل دائم.
أرقام وإحصائيات: توضيح عدد اليمنيين في مصر
17. يُقال إن عدد اليمنيين في القاهرة تجاوز الخمسة ملايين مقيم. ماذا تقدم السفارة لهذا العدد الهائل؟
أولًا، هذا الرقم غير صحيح. عدد المقيمين لا يتجاوز 100 ألف يمني، بينما الزوار لأغراض العلاج والسياحة يصلون إلى 200 ألف فقط. السفارة تقدم لهم معظم الخدمات مجانًا، ويتم دفع الرسوم المقررة فقط على الخدمات التجارية والجوازات والبطاقة الذكية.
18. ما هو دور السفارة في التعريف بجرائم الحوثيين في القاهرة؟
هذا جزء من أنشطتنا اليومية. نقوم بلقاءات مع الجانب الرسمي المصري، والإعلاميين، والسياسيين، ونشارك في الندوات والأنشطة المشتركة. على سبيل المثال، كان لدينا ندوة مع المركز المصري للدراسات الاستراتيجية، وحضرها شخصيات إعلامية وسياسية وممثلون من مجلس الشيوخ، حيث نناقش كل هذه القضايا بشكل مستمر.
19. في نهاية الحوار، هل لديك رسالة توجهها للجالية اليمنية في القاهرة؟
أنصح كافة اليمنيين بالالتزام بقوانين البلد المضيف، واحترام أي قرار يصدر عن الجانب المصري، وعدم مخالفته.