مع اقتراب الشعب اليمني من الاحتفال بالذكرى الثالثة والستين لثورة 26 سبتمبر 1962 التي أطاحت بالحكم الإمامي وأرست النظام الجمهوري، صعّدت ميليشيا الحوثي من حملاتها القمعية في مناطق سيطرتها، عبر حملة اختطافات واعتقالات واسعة النطاق طالت ناشطين وإعلاميين ومواطنين عاديين، لمجرد التعبير عن نيتهم المشاركة في فعاليات إحياء هذه المناسبة الوطنية.
استهداف العلم والرمز الوطني
وأكدت مصادر محلية أن الحوثيين استهدفوا خلال الحملة كل من رفع العلم الوطني أو عبّر عن اعتزازه بثورة 26 سبتمبر، حتى لو كان ذلك عبر نشر منشورات على وسائل التواصل الاجتماعي أو حالات قصيرة على تطبيقات الهواتف. وأشارت المصادر إلى أن أحد الكتّاب في صنعاء تم اعتقاله لمجرد وضعه حالة في تطبيق “واتساب” تمجد الثورة، وهو ما يعكس مستوى القيود المفروضة على الحريات الفردية والعامة.
توسع الاعتقالات جغرافياً
الحملة لم تقتصر على العاصمة صنعاء، بل امتدت إلى محافظات ذمار، إب، عمران، الحديدة، المحويت وحجة، حيث وثقت منظمات حقوقية قيام الميليشيا باختطاف أكثر من 270 مدنياً، بينهم صحفيون ومعلمون وناشطون. وتؤكد التقارير أن هذه الممارسات تتكرر بشكل سنوي كلما اقتربت ذكرى الثورة، في محاولة من الحوثيين لطمس أي حضور شعبي لرمزية سبتمبر.
تناقض الخطاب الحوثي
ورغم محاولات الحوثيين التظاهر بالاحتفاء بثورة 26 سبتمبر بشكل شكلي، إلا أن سلوكهم الأمني القمعي يكشف – بحسب مراقبين – خشيتهم العميقة من أي مظاهر وطنية صادقة مرتبطة بهذه الذكرى. فقد وجدوا أنفسهم عاجزين عن مواجهة حجم التفاعل الشعبي الجارف مع سبتمبر، ما دفعهم للانقلاب على خطابهم الدعائي وشن حملات قمع ممنهجة.
خوف من الذاكرة الجمعية
يرى ناشطون أن الرعب الحوثي من 26 سبتمبر يعود إلى رمزية الثورة في إسقاط الحكم الإمامي، وهو الامتداد التاريخي للمشروع السلالي الذي يحاول الحوثيون إعادة إنتاجه. وبالتالي، فإن أي احتفال جماهيري بسبتمبر يمثل فضحاً علنياً لمشروعهم، ويؤكد أن الوعي الشعبي لا يزال متمسكاً بقيم الجمهورية ورافضاً لحكم السلالة.
شهادات من الداخل
أفادت أسر مختطفين في صنعاء أن عناصر الحوثي اقتحموا منازلهم ليلاً، واعتقلوا أبناءهم بسبب منشورات على فيسبوك أو تغريدات قصيرة في تويتر تدعو للاحتفاء بسبتمبر. وأكدت بعض الأسر أن الاعتقالات شملت نساءً شاركن في مجموعات “واتساب” للتنسيق لفعالية رمزية، وهو ما يعكس حجم القمع الذي يطال مختلف فئات المجتمع.
قراءة في المشهد
هذه الاعتقالات ليست مجرد حملة أمنية عابرة، بل هي – كما يصفها محللون – محاولة لتجريم الذاكرة الوطنية وفرض واقع بديل يعيد إنتاج ثقافة الاستبداد والتمييز السلالي. لكنها في الوقت نفسه تكشف هشاشة المشروع الحوثي، إذ لا يمكن لكيان يزعم قوته أن يرتعب من علم يرفرف أو من ذكرى ثورة مضى عليها أكثر من ستة عقود.
خلاصة
كلما اقتربت ذكرى 26 سبتمبر، تصعّد ميليشيا الحوثي حملاتها القمعية ضد المواطنين في محاولة لطمس هذا التاريخ، لكن هذه السياسات تنعكس عكسياً، إذ تتحول إلى وقود إضافي يعزز تمسك اليمنيين بثورتهم وقيم جمهوريتهم. ويؤكد ناشطون أن الذاكرة الوطنية لا يمكن محوها، وأن سبتمبر سيظل حياً في قلوب اليمنيين مهما حاولت الميليشيا تقييد الحريات أو فرض بدائل قسرية.