آخر تحديث :السبت-04 أكتوبر 2025-11:19ص
أخبار وتقارير

متنزه السكون... تحفة معمارية نحتتها الطبيعة في اليمن

السبت - 04 أكتوبر 2025 - 09:57 ص بتوقيت عدن
متنزه السكون... تحفة معمارية نحتتها الطبيعة في اليمن
عدن الغد - متابعات

يختزل "متنزه السكون" بموقعه الجبلي الساحر قدرة اليمنيين على تطويع الطبيعة الوعرة وتحويل الأرض القاحلة إلى جنة خضراء تنقلك من جحيم الفوضى إلى نعيم الراحة والهدوء.

عند منحدرٍ جبليّ يُطل على شاهقٍ ساحر تتعانق فيه الطبيعة الخضراء والهواء العليل، تقع حدائق معلّقة ساهم الإنسان والطبيعة في بنائها وهندستها وتشكيلها، فكان "متنزه السكون" واحداً من أجمل المتنزهات في اليمن. يقع المتنزه في مدينة التربة على بُعد 75 كيلومتراً من مدينة تعز جنوباً، على ارتفاع 2200 متر فوق سطح البحر، ما منحه خصائص زراعية ساعدت في إنشاء مزرعة شاسعة تضم أنواعاً مختلفة من الفواكه.

يبدو متنزه السكون معلقاً على سفح جبل بإطلالة شاهقة على وادٍ فسيح هو وادي الحنان. وفي اسمَي الوادي والمتنزه ما يبعث على الهدوء والطمأنينة، ويختزل الجمال الذي يحاكي الروح ويدخلها من دون استئذان. وهو إذ يُطل على السحب والغمام، يقصده الزوّار من محافظة تعز وشتى المحافظات اليمنية، لقضاء أوقاتهم رفقة عائلاتهم في كنف الطبيعة الخلابة.

يجمع المتنزه بموقعه المميز بين المباني المشيّدة على الطراز اليمني التقليدي وساحات الألعاب والمزارع الخضراء الغنية بأشجار الفواكه التي تجود به الأرض اليمنية، أضف إلى أشجار الزينة والورود الملوّنة التي تفوح منها الروائح العطرة. الأمر الذي قاد أحد رجال الأعمال اليمنيين إلى التفكير فيه مكاناً يفرّ إليه من ضوضاء المدن، بحثاً عن السكون والراحة وسط أحضان الطبيعة الخضراء. لكن ما لبث أن راودته فكرة الاستفادة من الموقع الشاهق المطلّ على وادٍ أخضر.

كان صاحب المشروع، وهو مهندس معماري من أبناء المنطقة المغتربين في الخليج، يملك قطعة أرض صغيرة في المكان، قبل أن يشتري عام 1993 الأراضي المجاورة ويحوّلها إلى واحة خضراء، عبر زراعتها بأنواع متعددة من الفواكه. ونتيجة لموقع المكان الذي يجمع بين مكوّنات الطبيعة، حيث الجبل المطل على الوادي الأخضر والمزارع اليانعة، قرّر بناء برج يكون مستقراً لسكونه، ومن ثم جاءت فكرة تحويل المكان إلى متنزه عام.

وفي العام 2007 بدأ تنفيذ مشروع إقامة المتنزه، واستمرّت الأعمال حتى العام 2012 حين جرى افتتاحه، رغم عدم اكتماله بسبب الأحداث التي تشهدها البلاد. وقد استغرق هذه المدة الطويلة، كونه تطلب الاستعانة بعمّال مهرة في تفتيت الصخور ونحتها وبنائها على الطراز اليمني التقليدي، وتحويل الأرض القاحلة إلى واحة خضراء بتكوين هندسي بصري، يعكس عراقة البناء اليمني.

وقد استمد صاحب المشروع إلهامه من جمالية المكان وطبيعته الجبلية التي تكتنز العديد من الكهوف والجروف الطبيعية، حيث بادر إلى تطويعها وتشكيلها بعد حفر ممرات داخل الصخر، وبناء أبراج وغرف وواجهات بتصاميم مميزة، وإعادة هندسة المكان ليصبح مَعلماً يجمع بين حداثة الحاضر وأصالة الماضي. وساهم التناغم بين الطبيعة والإنسان في خلق هذه التحفة الجمالية الفريدة، وفي تحويل المكان إلى متنزه متكامل يستقطب عشاق الطبيعة والهدوء.

ونجح صاحب المشروع في استثمار سعة اطلاعه ومعرفته بالثقافات المتعددة حول العالم، ما ساهم في الجمع بين الحدائق المعلقة، والحدائق المنحوتة بالصخر، والحدائق الخضراء، وحدائق المياه، والحدائق القائمة على البناء الهندسي. لقد اختزل كل ذلك في منظومة واحدة، مع الحفاظ على طابع البناء التقليدي اليمني والعمارة الإسلامية.

وتبرز فنون النحت والزخرفة بشكل أساسي في نظام البناء المُستخدم ضمن المتنزه، الأمر الذي جعله شبيهاً بالقلاع التاريخية القديمة التي تتداخل فيها الغرف والأزقة والممرّات، بتناسقٍ هندسي غاية في الروعة، مراعياً الخصوصية التي يقدّمها للزوّار.

وفي المتنزه، جرى تشييد مسجد صغير عبر نحت تجويف في عمق أحد المنحدرات، ومن ثم البناء بأحجار صلبة جرى استقدامها من المنطقة، وتشكيلها وزخرفتها بطابع إسلامي يزيد من روحانيّة المكان.

يراعي المتنزه كذلك عامل التوازن بين المجتمع والبيئة، معتمداً على تقنيات مستدامة قادرة على الحد من تغيّر المناخ، والمحافظة على التوازن البيئي، حيث يتضمن حدائق زراعية تساهم في إنتاج الأكسجين وامتصاص ثاني أكسيد الكربون.

ويُعدّ متنزه السكون أكثر من مجرد متنزه للترفيه والاستجمام والسياحة في ظلال الطبيعة الخضراء، إذ يمثل قصة إلهام تختصر قدرة المواطن اليمني على تطويع الطبيعة الوعرة لخدمته، من خلال تحويلها إلى واحات خضراء. وهي قصةٌ جسّد اليمنيّون سطورها بالنقش على الحجر، والنحت في الصخر، وتحويل الأرض القاحلة إلى جنة خضراء، تسافر بك عبر الجبال والمنحدرات، من جحيم الفوضى والضوضاء إلى نعيم الراحة والسكون.