كشف تقرير حقوقي جديد عن تصاعد مروّع في معدلات الانتحار في اليمن خلال السنوات العشر الماضية، خصوصًا في المناطق الخاضعة لسيطرة جماعة الحوثي. واعتبرت مؤسسة تمكين المرأة اليمنية (YWEF) في التقرير الذي نشر بعنوان "بين القهر والخذلان: الانتحار في اليمن"، الظاهرة بأنها انعكاسًا لانهيار منظومة الدعم النفسي والاجتماعي في البلاد.
وأوضح التقرير، الصادر بالتزامن مع اليوم العالمي للصحة النفسية، 10 أكتوبر، أن الحرب والفقر واليأس المستمر دفعت آلاف اليمنيين إلى إنهاء حياتهم، مشيرًا إلى أن 78% من حالات الانتحار سُجلت في مناطق سيطرة الحوثيين. وبحسب تقديرات منظمة الصحة العالمية، يسجل اليمن أكثر من 1,660 حالة انتحار سنويًا بمعدل 5.2 لكل 100 ألف نسمة، فيما يُقدّر عدد الحالات المسجلة خلال الفترة من 2015 إلى 2025 بما بين 13 و16 ألف حالة.
وقالت المؤسسة إن فريقها الميداني وثّق 200 حالة انتحار بالأسماء والتفاصيل في 18 محافظة، معظمها في مناطق الحوثيين، من بينها 34 طفلًا و32 امرأة و64 معلمًا وموظفًا حكوميًا، تصدرت محافظات إب وتعز وصنعاء وذمار قائمة المحافظات العليا في المعدلات. مضيفا أن الابتزاز الإلكتروني والعاطفي كان سببًا مباشرًا في نحو 22% من حالات انتحار النساء والفتيات، مؤكدًا أن اليمن يشهد انهيارًا شبه كامل في خدمات الصحة النفسية، حيث لا يتجاوز عدد الأطباء النفسيين 60 طبيبًا فقط، فيما أُغلِق نحو 80% من المراكز والعيادات المتخصصة.
وأشار التقرير إلى أن "الانتحار في اليمن لم يعد قرارًا فرديًا، بل نتيجة تراكمات قهرية تواطأت فيها الحرب والفقر والعزلة وانعدام العدالة"، موضحًا أن المؤسسة وثّقت في ملحق خاص بعنوان "شهادات من الميدان" قصصًا إنسانية مؤلمة، منها انتحار طفل يبلغ 12 عامًا بعد حرمانه من المدرسة، وطالبة بعد تعرضها لابتزاز إلكتروني، ومعلم عقب انقطاع راتبه واعتقاله، إضافة إلى مخترع شاب أنهى حياته بعد مصادرة ابتكاراته.
وفي بيان مرفق بالتقرير، قالت المؤسسة إن "الحرب لم تكتفِ بقتل اليمنيين بالقذائف، بل دفعت الآلاف منهم إلى قتل أنفسهم تحت وطأة الفقر والخذلان واليأس"، معتبرة أن "السكوت عن الانتحار تواطؤ مع الألم". وطالبت المؤسسة بإنشاء برنامج وطني للدعم النفسي والاجتماعي بإشراف منظمة الصحة العالمية ويونيسف، وإعادة تفعيل إدارة الصحة النفسية في وزارة الصحة اليمنية، وإطلاق خط ساخن وطني مجاني لتقديم الدعم النفسي، وتمكين منظمات المجتمع المدني من تنفيذ حملات توعية لكسر الصمت حول الظاهرة. واختتم التقرير بتأكيد أن "الانتحار في اليمن لم يعد فعلًا فرديًا، بل نتيجة مباشرة للسياسات القهرية والفقر المدقع وانهيار قيم الأمل"، داعيًا المجتمع الدولي إلى التعامل مع الظاهرة باعتبارها قضية حقوق إنسان تستدعي استجابة عاجلة.
وتعليقا على التقرير، قال الأخصائي النفسي عرفات علي ناجي إن "الظروف الاقتصادية الصعبة والناتجة عن الحرب المستمرة في اليمن منذ أكثر من عشر سنوات تعد العامل الرئيس في تزايد حالات الإصابة بالصدمات والأمراض النفسية التي تقود إلى الانتحار في ظل ضعف دور المؤسسات المعنية بالصحة النفسية، وغياب الثقافة المجتمعية الواعية حيث لا يزال المجتمع اليمني يرى أن المرض النفسي يمثل وصمة بحق صاحبه". مضيفا أن "الدول خلال وبعد الحروب والأزمات تضع الصحة النفسية ضمن أولويات اهتمامها باعتبار أن الحرب تسبب صدمات نفسية متفاوتة التأثير تقريبا على جميع أبناء المجتمع، حيث تعد فئات الأطفال والنساء والشباب من أكثر الفئات تضررا، وبالتالي فإن الصدمات النفسية بالإضافة إلى العوامل الاقتصادية والمعيشية والاجتماعية تساهم في زيادة معدلات الانتحار في ظل غياب وجود معالجات حقيقية لأسباب الانتحار".