يزداد القلق في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء ومدن أخرى خاضعة لسيطرة الحوثيين، مع تفاقم معاناة آلاف المرضى النفسيين في ظل غياب شبه تام للرعاية الصحية وانهيار مؤسسات الدعم النفسي؛ مما جعل حياة كثير من اليمنيين تنزلق إلى دوامة العنف واليأس والانتحار.
في أحد أحياء صنعاء القديمة، يجلس أحمد (45 عاماً)، وهو عامل بلاط سابق، في زاوية منزله الضيق، يتحدث بصوتٍ متعَب عن تحوّل حياته إلى «كابوس يومي». يقول لـ«الشرق الأوسط»: «كنت أعمل طوال اليوم، ولا أعود إلى البيت إلا متأخراً؛ لأوفر لقمة العيش لأطفالي، لكن منذ توقفت أعمال البناء قبل سنوات أصبحت بلا عمل. حاولت بيع أثاثي لتغطية احتياجات أسرتي، ثم أُصبت بحالة اكتئاب جعلتني أفقد السيطرة على نفسي».
قصة أحمد ليست استثناءً، بل هي نموذج لمعاناة تتسع في المدن الخاضعة لسيطرة الحوثيين، حيث يواجه الآلاف اضطرابات نفسية ناتجة عن الحرب، وتدهور الاقتصاد، وانقطاع الرواتب، واستمرار القمع الأمني والاجتماعي.
ويؤكد أطباء في «مستشفى الأمل للطب النفسي» بصنعاء - وهو المرفق الوحيد المتبقي في المدينة - أن المستشفى يستقبل يومياً عشرات الحالات من مختلف المحافظات؛ أغلبها من فئة الشباب الذين يعانون من الاكتئاب والاضطرابات السلوكية.
يقول أحد الأطباء إن المستشفى «يعمل بإمكانات شبه معدومة»، مشيراً إلى «نقص حاد في الأدوية والمستلزمات الطبية، وغياب الدعم الحكومي، بعد أن صادرت الميليشيا مخصصاته المالية منذ سنوات».
وتشير مصادر طبية إلى أن عدد الأطباء النفسيين في اليمن لا يتجاوز 90 طبيباً، بينهم نحو 45 استشارياً فقط، فيما لا يوجد سوى 4 مرافق مختصة على مستوى البلاد؛ اثنان منها متوقفان كلياً. وتُظهر تقديرات «منظمة الصحة العالمية» أن أكثر من 8 ملايين يمني أصيبوا بأمراض نفسية نتيجة الحرب، بينما لا يتمكن من تلقي الرعاية المستمرة سوى 120 ألف شخص فقط.
ومع حلول «اليوم العالمي للصحة النفسية»، في 10 أكتوبر (تشرين الأول)، حذرت مصادر طبية بأن الأزمة تتصاعد دون أي بوادر استجابة من سلطات الحوثيين، التي تنشغل - وفق قولها - «بجباية الأموال وتنظيم فعاليات دعائية»، بدلاً من معالجة الكارثة الإنسانية.
وأضافت المصادر أن وزارة الصحة في حكومة الحوثيين غير المعترف بها كانت قد أقرت رسمياً بوجود أزمة حادة في قطاع الصحة النفسية، لكنها اكتفت بتصريحات شكلية دون اتخاذ أي خطوات عملية، في وقت بات فيه «سرير واحد فقط متاحاً لكل 200 ألف مريض نفسي».
وعلى صعيدٍ موازٍ، كشفت «مؤسسة تمكين المرأة اليمنية»، في تقرير حديث، عن أن مناطق سيطرة الحوثيين تسجل أكثر من 1660 حالة انتحار سنوياً، بمعدل 5.2 حالة لكل 100 ألف نسمة.
وأشار التقرير، الصادر تحت عنوان: «بين القهر والخذلان: الانتحار في اليمن»، إلى أن 78 في المائة من حالات الانتحار تقع في مناطق الجماعة، مرجعاً ذلك إلى الفقر، وانقطاع الرواتب، والخوف من الاعتقال، إضافة إلى الابتزاز الإلكتروني والاجتماعي، الذي سبَّب 22 في المائة من حالات الانتحار بين النساء والفتيات.
ويحذر التقرير بأن الانتحار لم يعد فعلاً فردياً، بل نتيجة مباشرة للقهر والفقر وانهيار الأمل، مشيراً إلى أن 7 ملايين يمني يعانون من اضطرابات نفسية مختلفة، فيما أُغلق نحو 80 في المائة من العيادات والمراكز المختصة.
وأكدت المؤسسة أن السنوات العشر الماضية شهدت تصاعداً مرعباً في معدلات الانتحار، خصوصاً بين النساء والشباب، مع انعدام أي خطوط دعم أو برامج وقائية.
وطالبت «المؤسسة الحقوقية الأمم المتحدة» بتبني برنامج وطني للدعم النفسي والاجتماعي، وإدراج ظاهرة الانتحار ضمن «تقارير الأطفال والنزاع المسلح»، فضلاً عن إنشاء خط ساخن وطني مجاني لحالات الطوارئ النفسية.