ليست مجرد وجبة عادية، بل طقس من طقوس الهوية اليمنية الممتدة في ذاكرة الأجيال. “العصيد ومرق الدجاج” وجبة يمنية أصيلة تحمل في مكوناتها عبق الأرض وكرم المطبخ اليمني، وتجمع في مذاقها بين البساطة والثراء، بين الفطرة والمهارة.
في الصورة تظهر الوجبة كما تُقدَّم في بيوت اليمنيين وموائدهم الشعبية: عصيد ذهبي من الذرة أو الدخن تغمره طبقة من المرق الغني بالتوابل اليمنية الفريدة، وإلى جانبه دجاج مطبوخ على نار هادئة، يعبق برائحة الكركم والهيل والثوم البلدي. وعلى الصحن تتناثر مكونات جانبية تفتح الشهية: الصلصة الحارة، الحليب البلدي، البصل الأخضر، الليمون، والفجل الأحمر، في لوحةٍ من الألوان والنكهات التي تشهد على تنوع المائدة اليمنية وكرمها.
هذه الوجبة التي ارتبطت بالقرى والمزارعين ورجال الحقول أصبحت اليوم حاضرة في المدن والمطاعم الراقية، بعد أن تجاوزت كونها وجبة ريفية إلى أن صارت رمزاً وطنياً للضيافة والنكهة اليمنية الأصيلة. فالعصيد ليس مجرد طعام، بل ذاكرة يتوارثها اليمنيون في كل بيت، وعنوان دفءٍ يربط العائلة حول صحن واحد.
وعلى الرغم من دخول المأكولات السريعة والمطابخ الأجنبية، إلا أن العصيد ومرق الدجاج يظلّان صامدين في وجه التغيير، محافظين على مكانتهما كـ “ملك المائدة اليمنية”، وكأشهى ما يمكن أن يقدمه اليمني لضيوفه.
في النهاية، تظل هذه الوجبة مثالاً على بساطة العيش وعظمة المذاق، ودليلًا على أن المطبخ اليمني ليس فقط من أقدم المطابخ العربية، بل من أغناها بالهوية والتاريخ.
غرفة الأخبار / عدن الغد