استوقفني أحد المعلمين هذا اليوم، ليسألني بلطف أن أرافقه في جولة ميدانية، ليست للفرجة أو المجاملة، بل لعرض واقعٍ موجع يسكنه هو وزملاؤه، علّ صدى المعاناة يصل إلى أصحاب القلوب الرحيمة بعد أن أُرهقوا من مناشداتٍ لا تجد سوى وعودٍ خاوية من مكتب التربية بمديرية بروم ميفع.
دخلت معهم ذلك المكان...أو بالأحرى، ما يُسمى مجازاً بالسكن أربعة جدران حزينة وسقفٌ يتداعى من شدة التعب، وداخلها تفاصيل تُدمي القلب وقفت مشدوهاً، وسألت"أحقًا تسكنون هنا؟ لو رأى هذا المشهد احد من الزوار او الطلاب ، لقالوا: لا يصلح حتى لتخزين أدوات مكسورة، فكيف لمعلم؟!
احقاً هذا في حضرموت نعم وتحديداً مدينة ميفع البوابة الغربية..
هؤلاء المعلمون، الذين غادروا مدنهم ومنازلهم في محافظة أبين، تاركين خلفهم أسرهم وأمانهم، جاءوا حاملين رسالة العلم إلى أبنائنا في ميفع...فهل هذا ما يستحقونه؟
وفي ركنٍ من زوايا السكن، شدّني مشهد آخر أحد المعلمين ينفخ في نارٍ متصاعدة من بين ثلاث حجارة، ليغلي إبريق الشاي باستخدام الحطب، فلا غاز لديهم، ولا طاقة، سوى إرادتهم التي لم تتكسر رغم كل شيء.
وفي حديثي معهم، وجدت في عيونهم الكثير من الصبر، وفي كلماتهم حشرجات المعاناة، وحديثاً صامتاً موجعًا عن الإهمال والتجاهل من قيادة التربية والتعليم، التي ما زالت تكتفي بالظهور في المناسبات، وتغض الطرف عن معاناة من يربّون الأجيال.
من هنا، أطلق ندائي باسم هؤلاء إلى أصحاب الخير، إلى من في قلوبهم رحمة، ساعدوا في توفير أسطوانة غاز، وطاقة شمسية تنير عتمة الليل في سكن المعلمين فهؤلاء لا يطلبون المستحيل، بل فقط أدوات الحياة البسيطة... ليستمروا في تعليم أبنائنا بكرامة.
لاتتركوا من علمنا الحروف يسكن بين الجدران المتهالكة والدخان.