بقلم: أحمد محمود السلامي
تحلّ في الثالث من ديسمبر الذكرى الثامنة لرحيل المناضل الجسور محمود محمد جعفر الشاذلي، أحد أبرز رجالات الحركة الوطنية في عدن، والذي كرّس حياته دفاعاً عن قضايا شعبه ووطنه، وظل مثالاً للشجاعة والوفاء حتى آخر أيامه.
*النشأة والبدايات*
وُلد الشاذلي في مدينة كريتر عام 1938م، وتلقى تعليمه في مدارس عدن الابتدائية والمتوسطة، ثم التحق بـ كلية عدن (Aden College) وتخرج منها عام 1955م. بدأ حياته العملية في شركة البس – قطاع البترول في البريقة، قبل أن ينخرط في العمل النقابي الذي كان آنذاك إحدى أهم أدوات النضال الوطني.
وفي مطلع الستينيات، برز اسمه كأحد مؤسسي وقيادات النقابة العامة لعمال البترول إلى جانب مجموعة من النقابيين الذين قادوا التحركات العمالية ضد سياسة الاستعمار البريطاني، وشكّلوا مع النقابات الست والمؤتمر العمالي رأس الحربة في الدفاع عن حقوق العمال.
*في صفوف الجبهة القومية*
مع انطلاق ثورة 14 أكتوبر وقيام الجبهة القومية عام 1963م، انضم الشاذلي فوراً إلى العمل الفدائي، وتلقى تدريباً على السلاح والتخفي ومهام المقاومة. وفي ديسمبر 1964م شارك في عملية استهداف باص تابع لجنود الاحتلال، إلا أنه أوقف التنفيذ بعد أن اكتشف وجود أطفال على متن الباص. انفجرت القنبلة قبل إيقاف العملية بالكامل، ليستشهد رفيقه محمد علي الحبيشي، ويصاب الشاذلي بجراح نُقل على إثرها إلى مستشفى الملكة، ثم اعتُقل لاحقاً وتعرّض لتحقيق وتعذيب قاسٍ في سجن رأس مربط.
رغم ذلك، ظل صامداً حتى نجحت الجبهة القومية في تهريبه عبر خطة معقدة لعبت فيها المناضلة نجوى مكاوي دوراً محورياً، لينتقل لاحقاً إلى تعز ويلتحق بقيادة الجبهة.
*مناصب سياسية ودبلوماسية*
بعد الاستقلال، عُيّن الشاذلي عضواً في القيادة العامة للجبهة القومية، ثم مديراً لمكتب رئيس الوزراء محمد علي هيثم (1969–1971)، قبل أن يتولى منصب محافظ عدن بين عامي 1971 و1972م.
وفي أواخر عام 1972م عُيّن سفيراً لجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية في الهند، ونجا من حادثة سقوط طائرة الـDC3 التي راح ضحيتها عدد من الدبلوماسيين عام 1973م. غير أن الظروف السياسية دفعته لاحقاً إلى مغادرة الهند، فسافر إلى القاهرة حيث أقام عامين، ثم انتقل إلى السعودية عام 1975م ليعمل في شركة شِل لخمسة أعوام.
*عودة إلى الوطن*
عاد الشاذلي إلى صنعاء بعد إعلان الوحدة عام 1990م، وعُيّن مستشاراً في مجلس الوزراء بدرجة وزير. وبعد سنوات من العمل الحكومي، استقر في عدن حتى وفاته عام 2017م، رغم ما كان يعانيه من ظروف صحية صعبة.
*سيرة من الوفاء والنبل*
كان محمود محمد جعفر شخصية محبوبة، صريحة، متواضعة، يحافظ على لهجته العدنية وروح أهل كريتر بسماحتهم وإيمانهم. لم يتردد يوماً في قول الحقيقة، ولم تفارقه ابتسامته رغم الغربة والشتات.
لقد رحل المناضل أبو محيي الدين، لكن سيرته ستظل حاضرة، وستتوارث الأجيال الراية الثقيلة التي حملها هو ورفاقه، حتى يتحقق للوطن ما ناضلوا لأجله .